للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْعَامِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي صِدْقِهِ عَلَى الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ ابْتِدَاءُ الْخُصُوصِ وَالْعَامِّ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ إرَادَةِ الْعُمُومِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ عُمُومُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لَا حُكْمًا وَلَا تَنَاوُلًا.

(وَيَكُونُ) التَّخْصِيصُ (بِمُسْتَقِلٍّ كَالْعَقْلِيِّ وَالسَّمْعِيِّ الْمُنْفَصِلِ، وَمُتَّصِلٍ، وَالْعَامُّ فِيهِ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ (حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ (حُكْمٌ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ) بِإِرَادَةِ بَعْضِهِ لَا مَجَازٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ خُصِّصَ الْعَامُّ، وَهَذَا عَامٌّ مُخَصَّصٌ وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِنَفْيِ مَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَامٌّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ فِي غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ (فَمُخْرِجُ الْبَعْضِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ لَا (مُخَصِّصَ) أَيْ الدَّالَّ عَلَى إخْرَاجِ الْبَعْضِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ لَفْظٍ أَوْ عَادَةٍ يُقَالُ لَهُ مُخَصِّصٌ مَجَازًا مَشْهُورًا تَسْمِيَةً لِلدَّلِيلِ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَيْضًا مُعْتَقِدُ ذَلِكَ مِنْ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٍ. (وَيُقَالُ) : التَّخْصِيصُ (لِقَصْرِ اللَّفْظِ مُطْلَقًا) أَيْ عَامًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ) ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ (وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَصْرَ إذْ لَا يَنْفِي النَّسْخَ) بَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَنَسْخِ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَامُّ لَكِنْ أَجَابَ الْأَبْهَرِيُّ بِمَنْعِ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي الْبَعْضِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ حِينَ أُطْلِقَ بَلْ أُرِيدَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ رُفِعَ الْبَعْضُ أَوْ انْتَهَى حُكْمُهُ عَلَى اخْتِلَافِ تَعْرِيفِ النَّسْخِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ حِينَ أُطْلِقَ إلَّا الْبَعْضَ إمَّا بِحَسَبِ الْحُكْمِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِمَّا بِحَسَبِ الذَّاتِ كَمَا فِي غَيْرِهِ (وَمَنْعُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (شُذُوذٌ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ (لَوْ صَحَّ صَحَّتْ إرَادَتُهُ) أَيْ مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعَامِّ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ.

أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ بِالْعَقْلِ مِنْ مُسَمَّيَاتِهِ، وَإِطْلَاقَ اللَّفْظِ لُغَةً عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ صَحِيحٌ لُغَةً، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَاقِلٍ أَنْ يُرِيدَ مَا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ فَإِذَا قُلْنَا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦] فُهِمَ مِنْهُ لُغَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ نَفْسِهِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ بِهِ نَفْسَهُ كَانَ الْمُرِيدُ مُخْطِئًا لُغَةً كَمَا هُوَ مُخْطِئٌ عَقْلًا فَيَكُونُ خُرُوجُهُ بِاللُّغَةِ مُوَافِقًا لِلْعَقْلِ لَا بِالْعَقْلِ (وَلَكَانَ) الْعَقْلُ (مُتَأَخِّرًا) عَنْ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ، وَالْبَيَانُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُبَيَّنِ. (وَالْعَقْلُ مُتَقَدِّمٌ وَلَصَحَّ نَسْخُهُ) أَيْ كَوْنُ الْعَقْلِ نَاسِخًا؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ أَيْضًا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ أَيْضًا (أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ) فِي الْكُلِّ (بَلْ اللَّازِمُ) فِي الْأَوَّلِ (دَلَالَتُهُ) أَيْ الْعَامِّ عَلَى مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ (وَهِيَ ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَتَأَخَّرَ بَيَانُهُ) أَيْ وَاللَّازِمُ فِي الثَّانِي تَأَخُّرُ بَيَانِ الْعَقْلِ عَنْ الْعَامِّ (لَا ذَاتِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (وَلِعَجْزِ الْعَقْلِ عَنْ دَرْكِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ لِلْحُكْمِ) فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَنَظَرُ الْعَقْلِ مَحْجُوبٌ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُخَصِّصِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْبَعْضِ عَنْ الْخِطَابِ قَدْ يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ فَافْتَرَقَا (وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ) أَيْ لَوْ صَحَّ لَصَحَّتْ إرَادَتُهُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (أَيْضًا بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لِلْمُفْرَدِ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ) فِي قَوْلِنَا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦] بَعْدَ التَّرْكِيبِ

(وَيَصِحُّ إرَادَةُ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعُ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا شَيْءٌ (بِهِ) أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ (إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي التَّرْكِيبِ وَنُسِبَ إلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ) نِسْبَتُهُ، وَهِيَ الْمَخْلُوقِيَّةُ (إلَى الْكُلِّ) أَيْ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (مَنَعَهَا) أَيْ الْعَقْلُ إرَادَةً الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَالِقَ نَفْسِهِ (وَهُوَ) أَيْ مَنْعُ الْعَقْلِ إرَادَتَهُ هُوَ (مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعَقْلِ وَدُفِعَ أَيْضًا) هَذَا الْجَوَابُ وَدَافَعَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّ التَّحْقِيقَ صِحَّتُهَا) أَيْ إرَادَةُ الْكُلِّ (فِي التَّرْكِيبِ أَيْضًا لُغَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>