للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَ أَنَّهُ يُكَذِّبُ) التَّرْكِيبَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ (وَهُوَ) أَيْ وَكَذَّبَهُ (غَيْرُهَا) أَيْ صِحَّتُهَا فَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْكَذِبِ لَا غَيْرُ، وَدَفَعَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الدَّفْعَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعَقْلِ (حُكْمُ الْعَقْلِ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ لِامْتِنَاعِهِ) أَيْ حُكْمِهِ (فِي الْكُلِّ) أَيْ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ) فَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ الْكُلِّ فِي التَّرْكِيبِ لُغَةً أَيْضًا لِامْتِنَاعِ إرَادَةِ اللُّغَةِ مَا يَمْنَعُ الْعَقْلُ إرَادَتَهُ ثُمَّ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ فِي مِثْلِهِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْءٍ لُغَةً، وَإِلَّا فَقَدْ أَفَدْنَاك فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاطَبِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْعَقْلِ فَالْجَوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ

(قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ: (تَعَارَضَا) الْعَامُّ وَالْعَقْلُ (فَتَسَاقَطَا) هَرَبًا مِنْ التَّحَكُّمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِلَا مُرَجِّحٍ (أَوْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ النَّقْلُ لَا الْعَقْلُ قُلْنَا فِي إبْطَالِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (إبْطَالٌ) أَيْ النَّقْلِ (لِأَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ النَّقْلِ (فَرْعُ حُكْمِهِ) أَيْ الْعَقْلِ (بِهَا) أَيْ بِدَلَالَتِهِ (فَإِذَا حَكَمَ) الْعَقْلُ (بِأَنَّهَا) أَيْ دَلَالَتَهُ (عَلَى وَجْهِ كَذَا) كَالْخُصُوصِ هُنَا (لَزِمَ) حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَأَيْضًا يَجِبُ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ) إذَا عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُحْتَمَلُ هُنَا (النَّقْلُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْخُصُوصُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ النَّقْلِ بِالتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ هَذَا وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُنَازِعُ فِي أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا بِالْعَقْلِ خَارِجٌ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّفْظَ هَلْ يَشْمَلُهُ فَمَنْ قَالَ يَشْمَلُهُ سَمَّاهُ تَخْصِيصًا وَمَنْ قَالَ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لَا يُسَمِّيهِ مُخَصِّصًا.

وَحُمِلَتْ دَعْوَى أَبِي حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ مُخَصِّصٌ عَلَى أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا خَارِجٌ لَا عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى مُخَصِّصًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَشْهُورٌ (وَآخَرُونَ) أَيْ وَمَنَعَ التَّخْصِيصَ قَوْمٌ آخَرُونَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (كَذِبٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي فَيَصْدُقُ نَفْيُهُ فَلَا يَصْدُقُ هُوَ وَإِلَّا صَدَقَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ مَعًا (قُلْنَا يَصْدُقُ) نَفْيُ التَّخْصِيصِ (مَجَازًا) نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَيَصْدُقُ ثُبُوتُهُ حَقِيقَةً نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَلَا تَتَّحِدُ جِهَةُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.

(قِيلَ) الْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ: (يُزَادُ أَوْ بِدَاءٌ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ ظُهُورُ الْمَصْلَحَةِ بَعْدَ خَفَائِهَا لِيَشْمَلَ الْإِنْشَاءَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ (خَصَّ) الِامْتِنَاعُ (الْخَبَرَ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَذِبُ (وَلَيْسَ) الِامْتِنَاعُ بِخَاصٍّ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا (لَكِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ إلَّا فِي الْخَبَرِ) وَالْمُصَرِّحُ الْآمِدِيُّ (وَاعْتَرَضَ أَبُو إِسْحَاقَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الشِّيرَازِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمَشْهُورُ (مَنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ) أَيْ الْخِلَافَ (فِي الْأَمْرِ أَيْضًا) .

قُلْت فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِنَفْيِهِ فِي الْإِنْشَاءِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ إذْ الْمُثْبَتُ يَجُوزُ وُقُوعُهُ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ كِلَيْهِمَا وَالنَّافِي يَمْنَعُهُ فِي كِلَيْهِمَا فَإِذَا انْتَفَى وُقُوعُهُ فِي الْإِخْبَارِ لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ فِي الْإِنْشَاءِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ الْإِنْشَاءَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت أَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ فَكَأَنَّك قُلْت كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَإِذَا خَصَّصْت وَقُلْت إلَّا الْفَاسِقَ فَكَأَنَّك قُلْت لَيْسَ كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَيَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ التَّعَسُّفِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ مُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ أَوْ الْبِدَاءُ إذَا أَرَادَ الْعُمُومَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَبَدًا، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْهُ وَنَصَبَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ فَلَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>