تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْبَعْضِ (كَذَا نَقَلَهُ) أَيْ هَذَا الْإِبْطَالَ بِالْمَعْنَى (مُتَأَخِّرٌ) ، وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَنَّهُ) عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ فِي نَقَلَهُ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّأْنَ (عَلَى الْقَائِلِ) لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ) إلَّا ثَلَاثَةٌ سَبْعَةٌ، وَالتَّكَلُّمُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَكُونُ (فِي سَبْعَةٍ) أَيْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا فَقَطْ لَا عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ هَذَا لَفْظُهُ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَعْنَى هَذَا كَمَا عَمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ (فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مَسْكُوتَةً، وَكَأَنَّ هَذَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ (إلْزَامٌ) لِلشَّافِعِيِّ (وَإِلَّا فَالشَّافِعِيُّ لَا يَجْعَلُهَا مَسْكُوتَةً) بَلْ يَجْعَلُ لَهَا مِنْ الْحُكْمِ ضِدَّ مَا لِلصَّدْرِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ هَذَا الْمُتَأَخِّرِ (مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَصَاحِبِ التَّحْقِيقِ وَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَشَارِحِيهِ وَالْبَدِيعِ (نَقَلَهُ) أَيْ الْإِبْطَالَ (بِالْآيَةِ هَكَذَا لَوْ كَانَ) عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ (عَلَى الْمُعَارَضَةِ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى) {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] حُكْمُ الْأَلْفِ بِجُمْلَتِهَا ثُمَّ عَارَضَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ حُكْمُ الْأَلْفِ (فِي الْخَمْسِينَ فَيَلْزَمُ كَذِبُ الْخَبَرِ فِي أَحَدِهِمَا) وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
(وَهَذَا) التَّوْجِيهُ (هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ) ، وَهُوَ الْمُنَافَاةُ (وَإِلَّا فَالْحُكْمُ عَلَى سَبْعَةٍ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ (وَتِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ) فِي {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] (بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ) أَيْ الْحُكْمُ بِالْإِثْبَاتِ (عَنْ ثَلَاثَةٍ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ (وَخَمْسِينَ) فِي {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَبَنَوْهُ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَوْنَهُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ (عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَقَلْبُهُ) أَيْ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ (مَنْقُولًا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَعَلَى أَنَّ التَّوْحِيدَ) ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ (فِي كَلِمَتِهِ) أَيْ التَّوْحِيدِ، وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (بِالنَّفْيِ) لِلْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ (وَالْإِثْبَاتِ) أَيْ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ (وَإِلَّا كَانَتْ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (مُجَرَّدَ نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ (فَالْتَزَمَتْهُ) أَيْ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ إلَّا النَّفْيَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (الطَّائِفَةُ الْقَائِلُونَ مِنْهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (مَا بَعْدَ إلَّا مَسْكُوتٌ، وَأَنَّ التَّوْحِيدَ مِنْ النَّفْيِ الْقَوْلِيِّ وَالْإِثْبَاتِ الْعِلْمِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ فِي الْجُمْلَةِ (لَمْ يُنْكِرُوا أُلُوهِيَّتَهُ تَعَالَى) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (بَلْ أَشْرَكُوا فَبِالنَّفْيِ عَنْ غَيْرِهِ يَنْتَفِي) الشِّرْكُ (وَيَحْصُلُ التَّوْحِيدُ فَلَا تَكُونُ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (مِنْ الدَّهْرِيِّ إيَّاهُ) أَيْ تَوْحِيدً الِإِنْكَارِهِ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى، وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قِيلَ بَلْ يَكُونُ؛ لِأَنَّ الدَّهْرِيَّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُودِهِ تَعَالَى فَهُوَ قَائِلٌ بِصَانِعٍ، وَهُوَ إمَّا الدَّهْرُ أَوْ الْأَفْلَاكُ أَوْ الْأَنْجُمُ أَوْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ ضَلَالَتِهِ فَإِذَا نَفَى الْجَمِيعَ لَزِمَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى.
(وَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ ذَهَبُوا إلَى الْحُكْمِ (فِيمَا بَعْدَ إلَّا بِالنَّقِيضِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِنَقْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إلَخْ) أَيْ إثْبَاتٍ وَقَلْبَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ) هَذَا (كَوْنَ الْإِخْرَاجِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا) مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى سَبْعَةٍ وَعَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَعَنْ خَمْسِينَ.
(وَنُقِلَ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا) بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ الِاسْمُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا (لَا يُنَافِيهِ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيًا وَقَلْبِهِ (فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا) أَيْ النَّقْلَيْنِ (فَيَصْدُقُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ وَنَفْيٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute