التَّصْدِيقِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ مِنْ نَحْوِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ) وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَخَبَرِ الْوَاحِدُ يُفِيدُ الظَّنَّ لَا نَفْسَ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ. (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِلَفْظِ الْقَوَاعِدِ الْمَعْلُومَاتُ (قُلْنَا) يُتَوَصَّلُ (بِمَعْرِفَتِهَا) ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مَعْرُوفَةً مُدْرَكَةً، وَإِلَّا كَانَ الْمَعْنَى يُتَوَصَّلُ بِعِلْمِ الْعِلْمِ كَذَا عَنْ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْإِدْرَاكَاتِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُدْرَكَةً لِلْإِدْرَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي نَفْسِهَا إدْرَاكًا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ شَخْصِيٌّ بَلْ التَّوَصُّلُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بِمَعْرِفَتِهَا بَلْ بِرِعَايَتِهَا وَاسْتِعْمَالِ مُقْتَضَيَاتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُدْرِكَاتٍ أَوْ إدْرَاكَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا صَالِحَةً لِلتَّوَصُّلِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي سَائِرِ الْآلَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِتَحْصِيلِ مَا وُضِعَتْ لِتَحْصِيلِهِ. نَعَمْ الشَّائِعُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا هُوَ مُدْرَكٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ يُتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَتِهِ، وَفِيمَا هُوَ إدْرَاكٌ فِي نَفْسِهِ يُتَوَصَّلُ بِهِ تَحَاشِيًا عَنْ صُورَةِ التَّكْرَارِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ فِي ظَنِّي إنِّي كُنْت قَدْ سَأَلَتْ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَجْهِ تَخْصِيصِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْقَوَاعِدَ هُنَا مَعْلُومَاتٌ مَعَ أَنَّهَا فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فَأَجَابَنِي بِمَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ هُنَاكَ لَبْسٌ وَاحْتِمَالٌ بِخِلَافِهَا هُنَا.
(وَمَعْنَاهَا) أَيْ الْقَاعِدَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُرَادًا بِهَا الْمَعْلُومُ فَيَنْطَبِقُ عَلَى كُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَاصَدَقَاتِهَا كَغَيْرِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَضَمَّنَتْهَا، وَالْمُقَيَّدُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمُطْلَقِ (كَالضَّابِطِ وَالْقَانُونِ وَالْأَصْلِ وَالْحَرْفِ) أَيْ مِثْلَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ اصْطِلَاحًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لِمَعَانٍ غَيْرِ مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَهَا أَمَّا مَا عَدَا الْقَانُونَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْقَانُونُ فَلِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَفْظٌ سُرْيَانِيٌّ رُوِيَ أَنَّهُ اسْمُ الْمُسَطِّرِ بِلُغَتِهِمْ إمَّا مُسَطِّرُ الْكِتَابَةِ أَوْ الْجَدْوَلِ وَالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ الْمُتَرَادِفَةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيهِ (قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ كُبْرَى سَهْلَةُ الْحُصُولِ) أَيْ لِقَضِيَّةٍ صُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ فَيَخْرُجُ الْفَرْعُ بِتَرْتِيبِهَا مَعَهَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِلْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا يُقَالُ أَمْرٌ كُلِّيٌّ مُنْطَبِقٌ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ عِنْدَ تَعَرُّفِ أَحْكَامِهَا مِنْهُ فَإِذَنْ مَا فِي الْكِتَابِ أَجْلَى وَأَوْلَى ثُمَّ إنَّمَا وَصَفَ الْقَضِيَّةَ، وَقَدَّمْنَا تَعْرِيفَهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْجُزْئِيَّةَ أَوْ الشَّخْصِيَّةَ لَا تُسَمَّى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَبِكَوْنِهَا كُبْرَى؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لِتَسْمِيَتِهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَبِكَوْنِ صُغْرَاهَا سَهْلَةَ الْحُصُولِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْكُلِّيِّ عَلَى مَا هُوَ جُزْئِيٌّ لَهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى سَبَبِ سُهُولَتِهَا بِقَوْلِهِ (لِانْتِظَامِهَا) أَيْ لِكَوْنِ صُغْرَاهَا مُنْتَظِمَةً (عَنْ) أَمْرٍ (مَحْسُوسٍ) وَالْمُرَادُ بِالْفَرْعِ الَّذِي يَخْرُجُ بِجَعْلِهَا كُبْرَى لِتِلْكَ الصُّغْرَى مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ حُكْمُ ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ الْكُلِّيَّ ثُمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَهَذَا نَهْيٌ، وَأَمْرٌ) إلَى مِثَالَيْنِ لِلصُّغْرَى الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْأُصُولِ، وَهُمَا أَنْ يُقَالَ مَثَلًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢] هَذَا أَوْ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢] نَهْيٌ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٨٣] هَذَا أَوْ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: ٧٢] أَمْرٌ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢] {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٨٣] شَيْءٌ مَحْسُوسٌ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ الْقَاعِدَةَ الَّتِي هِيَ وَكُلُّ نَهْيٍ لِلتَّحْرِيمِ وَكُلُّ أَمْرٍ لَلْوُجُوبِ انْتَظَمَتْ مَعَهُ كُبْرَى، وَخَرَجَ بِهَذَا التَّرْتِيبِ الْفَرْعُ، وَهُوَ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢] لِلتَّحْرِيمِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٨٣] لِلْوُجُوبِ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْفِقْهِ قَوْلُنَا كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَإِذَا وُجِدَ بَيْعٌ لِلْمُوصَى بِهِ انْتَظَمَتْ الصُّورَةُ السَّهْلَةُ الْمُسْنَدَةُ إلَى الْحِسِّ، وَهُوَ قَوْلُنَا هَذَا تَصَرُّفٌ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ وَتُضَمُّ الْكُبْرَى هَكَذَا وَكُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَيَخْرُجُ الْفَرْعُ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ هُنَا تَنْبِيهٌ وَتَكْمِيلٌ فَالتَّنْبِيهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الْفِقْهِ عَلَى اعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْكَثْرَةِ الْمُدْرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لِتَعْرِيفِهِ إلَّا لِوُقُوعِهِ جُزْءًا مِنْ تَعْرِيفِ الْأُصُولِ بِالْمَعْنَى الْإِضَافِيِّ وَحَيْثُ عَرَّفَهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْكَثْرَةِ الْإِدْرَاكِيَّةِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ، وَأَنْتَ إذَا أَرَدْت تَعْرِيفَهُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْكَثْرَةِ الْمُدْرَكَةِ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك مِمَّا تَقَدَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute