إنْ كَفَى تَصَوُّرُ طَرَفَيْهِ لِحُصُولِهِ، وَإِلَّا فِكْرِيٌّ وَالثَّانِي عِلْمٌ بِالْمَحْسُوسَاتِ وَالثَّالِثُ بِالْمُتَوَاتِرَاتِ وَالْحَدْسِيَّاتِ وَالْمُجَرَّبَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا فَشَكٌّ إنْ تَسَاوَى طَرَفَاهُ، وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ، وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ اهـ. فَصَرَّحَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّكِّ وَالْوَهْمِ حُكْمٌ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مُعَرِّضًا بِهِ (وَلَا حُكْمَ فِيهِ) أَيْ الْوَهْمِ (لِاسْتِحَالَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (بِالنَّقِيضِينَ) لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْحُكْمِ بِالطَّرَفِ الرَّاجِحِ مَعَ الْحُكْمِ بِالطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ السَّاذَجَةِ (وَالشَّكُّ عَدَمُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ) نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا لِشَيْءٍ (بَعْدَ الشُّعُورِ) بِذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَعْرِضُ لِنِسْبَةِ ذَيْنِك الطَّرَفَيْنِ بَعْدَ تَصَوُّرِهِمَا، وَتَصَوُّرُهَا التَّصَوُّرُ السَّاذَجُ وَالشُّعُورُ أَوَّلُ مَرَاتِبِ وُصُولِ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ عَلَى تَمَامِهِ، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (لِلتَّسَاوِي) أَيْ لِكَوْنِ مُتَعَلَّقِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ عِنْدَ مَنْ بِحَيْثُ يَحْكُمُ، وَهُوَ الْمُتَصَوِّرُ الْمَذْكُورُ.
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَعْدَ الشُّعُورِ مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ بِاللَّازِمِ إيضَاحًا، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ (فَيَخْرُجُ) عَنْ الشَّكِّ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ الشُّعُورِ الْمَذْكُورِ لَهُ (أَحَدُ قِسْمَيْ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ) ، وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ مَعَ عَدَمِ الشُّعُورِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا فَإِنَّ مِنْ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ مَا يَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا فِي خَالِي الذِّهْنِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ هَذَا فَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ مَعَ الشُّعُورِ بِالْحُكْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاصَدَقَاتِهِ إنَّمَا هِيَ الشَّكُّ وَالْوَهْمُ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ مَعَ الشُّعُورِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَشْعُورُ بِهِ طَرَفَاهُ سَوَاءٌ أَوْ مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ فَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ بِاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي أَحَدُ فَرْدَيْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا، وَهُوَ الْوَهْمُ. هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا قَسِيمَ لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ وَرَاءَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِهِمْ وَإِشَارَتِهِمْ، فَقَدْ عَرَّفُوهُ كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: وَالْجَهْلُ الْبَسِيطُ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْعِلْمِ لِذَاتَيْهِمَا فَيَكُونُ ضِدًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِفَةَ إثْبَاتٍ وَلَيْسَ الْجَهْلُ الْبَسِيطُ ضِدَّ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ وَلَا لِلشَّكِّ وَلَا لِلظَّنِّ وَلَا النَّظَرِ بَلْ يُجَامِعُ كُلًّا مِنْهُمَا لَكِنَّهُ يُضَادُّ النَّوْمَ وَالْغَفْلَةَ وَالْمَوْتَ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْعِلْمُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَأَخَوَاتِهِ. وَأَمَّا الْعِلْمُ فَإِنَّهُ يُضَادُّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ قِسْمَانِ يَتَنَاوَلُهُمَا جِنْسُ الشَّكِّ أَعْنِي الْحُكْمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَا يَنْطَبِقُ تَعْرِيفُ الشَّكِّ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَمِنْهُمَا مَا يَنْطَبِقُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَقِسْمَانِ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا جِنْسُ الشَّكِّ أَصْلًا، وَهُمَا كُلٌّ مِنْ الْحُكْمِ الْجَازِمِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ وَالْحُكْمِ الرَّاجِحِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ إذَا لَمْ يَقْتَرِنَا بِاعْتِقَادِ كَوْنِهِمَا فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ تَوَفَّرَتْ الْعِنَايَةُ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى خُرُوجِ ذَلِكَ الْقِسْمِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْجِنْسِ الْمُرْتَفِعِ عَنْ انْطِبَاقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى خُرُوجِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرِينَ لِلْعِلْمِ بِخُرُوجِهِمَا بِمَعْنَى عَدَمِ دُخُولِهِمَا أَصْلًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَخَرَجَ بَعْضُ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ لِيَتَنَاوَلَ الْوَهْمَ كَمَا ذَكَرْنَا.
(وَالْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ الْحُكْمُ غَيْرُ الْمُطَابِقِ) لِلْوَاقِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مَعَ اعْتِقَادِ مُطَابَقَتِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ غَيْرَ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَسِيطِ فَإِنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ الْمُطَابِقِ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِاعْتِقَادِ مُطَابَقَتِهِ جَهْلٌ بَسِيطٌ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِمْ إيَّاهُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَلَيْهِ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْجَازِمِ الثَّابِتُ الْمُطَابِقُ وَكَمَا يَصْدُقُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهَذَا الْمَعْنَى بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَصْدُقُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِهَا. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ دَعْوَى الْآمِدِيِّ أَنَّ الْبَسِيطَ يُجَامِعُ الْمُرَكَّبَ مَمْنُوعَةٌ لِلْمُعَانَدَةِ بَيْنَهُمَا فِي جُزْءِ الْمَفْهُومِ (وَلَمْ نَشْرِطْ) نَحْنُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ جِنْسُ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ (جَزْمًا) كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمَوَاقِفِ حَيْثُ قَالَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادِ جَازِمٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ، وَمَشَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute