عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ (لِأَنَّ الظَّنَّ الْمُطَابِقَ لَيْسَ سِوَاهُ) أَيْ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ وَالْجَزْمُ مُخْرِجٌ لَهُ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لَكِنْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الظَّنُّ غَيْرُ الْمُطَابِقِ جَهْلًا مُرَكَّبًا إذَا اعْتَقَدَ مُطَابَقَتَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ بَسِيطٌ وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ مَا فِي الْكَشْفِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الذِّهْنِ بِأَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ إنْ كَانَ جَازِمًا فَجَهْلٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ بَعْضِ مَاصَدَقَاتِ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ اللَّائِقَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْمَوَاقِفِ تَعْرِيفًا لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ تَعْرِيفًا لِمُطْلَقِ الْجَهْلِ الصَّادِقِ عَلَى الْبَسِيطِ وَالْمُرَكَّبِ، وَأَمَّا هُمَا فَمَا ذَكَرْنَا فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ، وَهُوَ أَيْ الْجَهْلُ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ فَإِنْ قَارَنَ اعْتِقَادَ النَّقِيضِ فَمُرَكَّبٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالشُّعُورِ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ، وَإِلَّا فَبَسِيطٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الشُّعُورِ اهـ. ثُمَّ إنَّمَا سُمِّيَ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ مُرَكَّبًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ اعْتِقَادَ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ جَهْلٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّهُ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ جَهْلٌ آخَرُ فَقَدْ تَرَكَّبَا مَعًا، وَقَدْ يَتَرَكَّبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ
وَمِنْ جَاهِلٍ بِي وَهُوَ يَجْهَلُ جَهْلَهُ ... وَيَجْهَلُ عِلْمِي أَنَّهُ بِي جَاهِلُ
(وَأَمَّا التَّقْلِيدُ فَلَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ ظَنٌّ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ كَمَا قِيلَ) ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ قَائِلَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ كَمَا سَيَأْتِي هُوَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ إحْدَى الْحُجَجِ بِلَا حُجَّةٍ مِنْهَا فَأَيْنَ الظَّنُّ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ (بَلْ قَدْ يَقْدِرُ) الْمُقَلِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ ظَنِّ مَا قَلَّدَ فِيهِ أَيْ عَلَى اكْتِسَابِ ظَنٍّ بِهِ (إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ قَرِيبًا) مِنْ مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ لِوُجُودِ أَهْلِيَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِاكْتِسَابِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّهُ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّهُ قَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا تُخْرِجُهُ هَذِهِ الْحَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَنْ كَوْنِهِ مُقَلِّدًا كَمَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى ظَنِّ حُكْمِ مَا قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَهُ (وَقَدْ لَا) يَقْدِرُ الْمُقَلِّدُ مُطْلَقًا عَلَى اكْتِسَابِ ذَلِكَ أَمَّا الْقَرِيبُ فَلِتَعَارُضِ الْأَمَارَاتِ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ فَلِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ لِاكْتِسَابِهِ مِنْ الدَّلِيلِ (وَغَايَتُهُ إذَا) أَيْ وَغَايَةُ الْمُقَلِّدِ إذَا قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَالَةَ كَوْنِهِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اكْتِسَابِ جَزْمٍ أَوْ ظَنٍّ بِذَلِكَ الْحُكْمِ مِنْ الدَّلِيلِ (حَسَّنَ ظَنَّهُ) أَيْ الْمُقَلِّدُ (بِمُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ عَنْ هَوًى، وَإِنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ إفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَلَا بِدْعَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ. (وَقَدْ يَكُونُ) أَيْ يُوجَدُ التَّقْلِيدُ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ (وَلَا ظَنَّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنْ لَا ظَنَّ عِنْدَ الْمُقَلِّدِ لِلْحُكْمِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مُقَلَّدُهُ أَصْلًا بَلْ قَدْ يُقَلِّدُهُ (مَعَ عِلْمِهِ) أَيْ الْمُقَلِّدُ (أَنَّهُ) أَيْ مُقَلَّدَهُ (مَفْضُولٌ) فِيمَا قَلَّدَهُ فِيهِ وَيَقْدُمُ عَلَى تَقْلِيدِهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِكَوْنِهِ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ شَيْءٌ، وَقَعَ فِي الْبَيْنِ فَلْنُرْجِعْ النَّظَرَ إلَى تَعْرِيفَيْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ الْمَذْكُورَيْنِ فَنَقُولُ (وَخَرَجَ التَّصَوُّرُ مِنْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ) بِوَاسِطَةِ جَعْلِ الْجِنْسِ فِيهِمَا الْحُكْمُ، وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَدْخُلْ التَّصَوُّرُ بِأَقْسَامِهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُرُوجِ بِالدُّخُولِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا ضَيْرَ فِي كَوْنِ الْخُرُوجِ مُرَادًا بِهِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى مَجَازٌ مَشْهُورٌ ثُمَّ هَذَا الْخُرُوجُ (عَلَى الْأَكْثَرِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ مِنْ بَابِ التَّصْدِيقِ (اصْطِلَاحًا) مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ (لَا لِاعْتِبَارِ الْمُوجِبِ) أَيْ لَا أَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ التَّصَوُّرُ عَنْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ لِذِكْرِ الْمُوجِبِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقْتَضٍ لِذَلِكَ.
(وَيُقَالُ) فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ أَيْضًا (صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ) النَّقِيضَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مَعَ شُهْرَتِهِ، وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أَصَحُّ الْحُدُودِ، وَفِي الْمَوَاقِفِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَصِفَةٌ أَيْ مَعْنًى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ يَتَنَاوَلُ الْعِلْمَ وَغَيْرَهُ وَتُوجِبُ أَيْ تَسْتَعْقِبُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَادَةً لِمَحَلِّهَا الَّذِي يَتَّصِفُ بِهَا، وَهُوَ النَّفْسُ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْأُمُورِ يُخْرِجُ الصِّفَاتِ الَّتِي تُوجِبُ لِمَحَلِّهَا تَمْيِيزًا عَلَى الْغَيْرِ لَا تَمْيِيزًا، وَهُوَ مَا عَدَا الْإِدْرَاكَاتِ مِنْ الصِّفَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ كَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِ النَّفْسَانِيَّةِ كَالسَّوَادِ مَثَلًا فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تُوجِبُ لِمَحَالِّهَا تَمْيِيزًا عَنْ غَيْرِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الشُّجَاعَ بِشَجَاعَتِهِ مُمْتَازٌ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute