للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمَا الْمَفْهُومَانِ الْمُتَنَافِيَانِ لِذَاتَيْهِمَا وَالتَّنَافِي إمَّا فِي التَّحَقُّقِ وَالِانْتِفَاءِ كَمَا فِي الْقَضَايَا، وَإِمَّا فِي الْمَفْهُومِ بِأَنَّهُ إذَا قِيسَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كَانَ أَشَدَّ بُعْدًا مِمَّا سِوَاهُ فَيُوجَدُ فِي التَّصَوُّرَاتِ أَيْضًا كَمَفْهُومَيْ الْفَرَسِ وَاللَّا فَرَسِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى قِيلَ رَفَعَ كُلُّ شَيْءٍ نَقِيضَهُ سَوَاءٌ كَانَ رَفَعَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ رَفَعَهُ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَيًّا مَا كَانَ فَالْمُرَادُ بِالتَّصَوُّرِ الدَّاخِلِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ مَا لَيْسَ مُتَعَلَّقُهُ مُحْتَمِلًا لِلنَّقِيضِ فَلَا يَضُرُّ مَا هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ خُرُوجِ الْوَهْمِ وَالشَّكِّ مِنْ الْعِلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ مِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ، وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ فَيُقَيِّدُ التَّمْيِيزَ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الْمَعَانِي أَيْ مَا لَيْسَ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ الْأُمُورُ الْعَقْلِيَّةُ كُلِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جُزْئِيَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَانِي مَا يُقَابِلُ الْعَيْنِيَّةَ الْخَارِجِيَّةَ فَيَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْعِلْمِ إدْرَاكُ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ تَمْيِيزًا فِي الْأُمُورِ الْعَيْنِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ الْمَعَانِيَ بِالْكُلِّيَّةِ مَيْلًا إلَى تَخْصِيصِ الْعِلْمِ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْجُزْئِيَّاتِ.

هَذَا وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْمَلْوِيُّ هَذَا التَّعْرِيفَ بِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ إمَّا تَصَوُّرٌ، وَإِمَّا تَصْدِيقٌ ضَرُورِيٌّ وَمَطْلُوبٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَفْسَ الصِّفَةِ بَلْ أَثَرُهَا فَعَرَضْته عَلَى شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَدَافَعَهُ بَعْضَ الْمُدَافَعَةِ ثُمَّ اسْتَحْسَنَهُ، وَأَلْحَقَهُ بِالْكِتَابِ قَائِلًا.

(وَالْوَجْهُ) فِي حَدِّ الْعِلْمِ عَلَى وَجْهٍ يَشْمَلُ التَّصَوُّرَ أَنْ يُقَالَ (إنَّهُ تَمْيِيزٌ) لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ (وَإِلَّا فَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ) الْمُفِيدَةِ لِلتَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ لَا عَلَيْهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنِّي أَقُولُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعِلْمَ عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ ذَاتِ تَعَلُّقٍ بِالْمَعْلُومِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّةَ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا حَتَّى إنَّ الْعِلْمَ عِنْدَهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ بِالذَّاتِ، وَمِنْ مَقُولَةِ الْمُضَافِ بِالْعَرَضِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ فَالْقُوَّةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ هِيَ نَفْسُ الْعِلْمِ عِنْدَهُ فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ كَوْنِ هَذَا تَفْسِيرًا لِلْعِلْمِ عِنْدَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ صَرَّحَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي الْمَوَاقِفِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ قَالَ إنَّهُ نَفْسُ التَّعَلُّقِ يَعْنِي الْمَخْصُوصَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْمَعْلُومِ حَدَّهُ بِأَنَّهُ تَمَيُّزُ مَعْنًى عِنْدَ النَّفْسِ تَمَيُّزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ اهـ. حَتَّى يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَاتِ، وَمَبْدَؤُهُ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الصَّحَائِفِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِانْفِعَالِ نَعَمْ يَكُونُ تَقْسِيمُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ شَيْخِنَا أَنَّهُ تَمْيِيزٌ يُخَالِفُ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ فِعْلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.

ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ التَّعَرُّضُ لِشُمُولِ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلتَّصَوُّرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمِنْهُ الْحَدُّ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ التَّصَوُّرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يُكْتَسَبُ بِبُرْهَانٍ وَلَا يُطْلَبُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَا يَقْبَلُ الْمَنْعَ وَلَا يُعَارَضُ سَوَاءٌ كَانَ حَدًّا حَقِيقِيًّا أَوْ اسْمِيًّا أَوْ غَيْرَهُمَا وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْحَدَّ بِاعْتِبَارِ عَارِضٍ لَهُ قَدْ يُطْلَبُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَيُعَارَضُ وَيُمْنَعُ أَشَارَ إلَى مَا يُفِيدُ الْمَنَاطُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ ثُبُوتًا وَانْتِفَاءً فَقَالَ (وَلَا دَلِيلَ) يُطْلَبُ وَيُقَامُ (إلَّا عَلَى نِسْبَةٍ) أَيْ حُكْمِ نِسْبَةٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ ثُبُوتًا أَوْ نَفْيًا لِمَا سَيُعْرَفُ مِنْ مَعْرِفَةِ الدَّلِيلِ. (وَكَذَا الْمُعَارَضَةُ) لَا تَكُونُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُعَارِضًا لِلْآخَرِ إلَّا إذَا كَانَا حُكْمَيْنِ وَتَحَقَّقَ فِيهِمَا بَاقِي الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي وُجُودِ التَّدَافُعِ بَيْنَهُمَا (وَذَلِكَ) أَيْ قِيَامُ الدَّلِيلِ وَالْمُعَارَضَةِ إنَّمَا يَقَعُ فِي صُوَرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ (عِنْدَ ادِّعَائِهَا) أَيْ صُوَرِ الْمُتَصَوَّرَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي الذِّهْنِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي الصُّوَرُ الْمَذْكُورَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَوُّرِهَا (صُورَةُ كَذَا كَصُوَرِ الْحُدُودِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْدُودَاتِ أَيْ كَادِّعَاءِ أَنَّ الصُّورَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ الْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ الْمُسَمَّى بِالْحَدِّ هِيَ الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ الْمُسَمَّى بِالْحُدُودِ.

(وَحِينَئِذٍ) أَيْ وَحِينَ يُقْصَدُ الْحُكْمُ بِالْحَدِّ عَلَى الْمَحْدُودِ كَمَا ذَكَرْنَا (تَقْبَلُ) صُوَر الْحُدُودِ (الْمَنْعَ) لِوُجُودِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوضًا لِذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ وَكَشْفُ الْقِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ مِنْ التَّصَوُّرَاتِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُقْصَدُ بِهِ تَصَوُّرُ مَفْهُومَاتٍ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، وَيُسَمَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>