بِبَقَاءِ الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْقُوتِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ عَلَيْهَا فَوَجَبَتْ عِمَارَتُهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَمَا وَجَبَ عَلَى الْمُلَّاكِ نَفَقَةُ عَبِيدِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَبَقَاؤُهَا وَبَقَاءُ إنْزَالِهَا إنَّمَا هُوَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ الْحَافِظُونَ لَهَا إمَّا مِنْ حَيْثُ الدُّعَاءُ وَهُمْ ضُعَفَاؤُهُمْ الْمُحْتَاجُونَ فَإِنَّ بِهِمْ يُسْتَنْزَلُ النَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَيُسْتَمْطَرُ فِي السَّنَةِ الشَّهْبَاءِ وَإِمَّا مِنْ حَيْثُ الذَّبُّ بِالشَّوْكَةِ عَنْ الدَّارِ وَغَوَائِلِ الْكُفَّارِ وَهُمْ الْمُقَاتِلَةُ فَوَجَبَ فِي بَعْضِهَا الْعُشْرُ نَفَقَةً لِلْأَوَّلِينَ وَفِي بَعْضِهَا الْخَرَاجُ نَفَقَةً لِلْآخَرِينَ وَجُعِلَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا نَفَقَةً عَلَيْهَا تَقْدِيرًا ثُمَّ فِي الْخَرَاجِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ كَمَا سَيَذْكُرُ وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْعِبَادَةِ) فِيهِ (لِتَعَلُّقِهِ) أَيْ الْعُشْرِ (بِالنَّمَاءِ) الْحَقِيقِيِّ لَهَا وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْهَا كَتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ أَوْ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ كَمَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَهَذَا أَشْبَهُ
(وَإِذْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْأَصْلَ) وَالنَّمَاءُ وَصْفًا تَابِعًا لَهَا (كَانَتْ الْمُؤْنَةُ غَالِبَةً وَلِلْعِبَادَةِ) فِيهِ (لَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِهِ) لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي الْقُرْبَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ ضَرْبُ كَرَامَةٍ وَالْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْخَرَاجِ (وَلَا يَبْقَى) الْعُشْرُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْكَافِرِ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْبَقَاءِ) لِلْعُشْرِ عَلَيْهِ (إلْحَاقًا) لِلْعُشْرِ (بِالْخَرَاجِ) فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ (بِجَامِعِ الْمُؤْنَةِ) فِيهِمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ وَالْكَافِرُ أَهْلٌ لِلْمُؤْنَةِ
(وَالْعِبَادَةُ) فِي الْعُشْرِ (تَابِعَةٌ) فَيَسْقُطُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا (فَلَا يُثَابُ) الْكَافِرُ (بِهِ) أَيْ بِالْعُشْرِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ (وَإِنْ تَبِعَ) الْمُؤْنَةَ (فَهُوَ ثَابِتٌ) فِي الْعُشْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالنَّمَاءِ وَصَرْفِهِ إلَى مَصَارِفِ الْفُقَرَاءِ مُسْتَمِرٌّ (فَيَمْنَعُ) ثُبُوتَهُ فِيهِ مِنْ إلْغَائِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ضَرُورَةُ عَدَمِ إمْكَانِ إلْغَائِهِ قُلْت: إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مُحَمَّدٍ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ فِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَمَّا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ فِيهِ كَالْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ فَلَا يَتِمَّ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيُجَابُ كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ بِأَنَّ الْعُشْرَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عَلَى الْكَافِرِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّضْعِيفِ فَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ بِدُونِ التَّضْعِيفِ عَلَيْهِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ (فَتَصِيرُ) الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ (خَرَاجِيَّةً بِشِرَائِهِ) أَيْ الْكَافِرِ إيَّاهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي وَقْتِ صَيْرُورَتِهَا خَرَاجِيَّةً فَفِي السِّيَرِ كَمَا اشْتَرَى وَفِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ إذَا بَقِيَتْ مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرَعَ أَوْ لَا (وَلِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَخِلَافًا لَهُ فِي أَنَّهُ (يُضَعَّفُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيهِ وَالتَّضْعِيفُ تَغْيِيرٌ لِلْوَصْفِ فَقَطْ فَيَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ إبْطَالِ الْعُشْرِ وَوَضْعِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَالتَّضْعِيفُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ (كَبَنِي تَغْلِبَ) وَلَا يُقَالُ فِيهِ تَضْعِيفٌ لِلْقُرْبَةِ وَالْكُفْرِ يُنَافِيهَا لِأَنَّا نَقُولُ بَعْدَ التَّضْعِيفِ صَارَ فِي حُكْمِ الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْكُفَّارِ وَخَلَا عَنْ وَصْفِ الْقُرْبَةِ
(وَيُجَابُ بِأَنَّهَا) أَيْ الصَّدَقَةَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ هِيَ فِي الْمَعْنَى (جِزْيَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهَا صَدَقَةً مُضَاعَفَةً (بِالتَّرَاضِي لِخُصُوصٍ عَارِضٍ) فَإِنَّ بَنِي تَغْلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَرَبٌ نَصَارَى قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ هَمَّ يَعْنِي عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَنَفَرُوا فِي الْبِلَادِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ أَوْ زُرْعَةُ بْنُ النُّعْمَانِ لَعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشٍ وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ فَلَا تُعِنْ عَدُوَّك عَلَيْك بِهِمْ قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هَذِهِ جِزْيَةٌ سَمَّوْهَا مَا شِئْتُمْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّهَا هَلْ هِيَ جِزْيَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ نُقُودٌ أَوْ مَاشِيَةٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهِيَ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ كَانَ الْجِزْيَةُ فَإِذَا صُولِحُوا عَلَى مَالٍ جُعِلَ وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمُسْتَحَقِّ وَقِيلَ لَا بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ بِشَرَائِطِ الزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute