للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يُرَاعَى فِيهَا وَصْفُ الصِّغَارِ وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْجِزْيَةَ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ أَهْلِ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ بِالصُّلْحِ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ أَرْضِهِمَا لِأَنَّ الْعُشْرَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَحْضَةٍ لِيَخُصَّ الْعُقَلَاءَ الْبَالِغِينَ فَيُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِهِمَا وَقَدْ أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ قَبْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ التَّضْعِيفَ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ لِلضَّرُورَةِ السَّالِفَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَافِرِ وَهُوَ الْخَرَاجُ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ (وَمُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ) وَهِيَ (الْخَرَاجُ أَمَّا الْمُؤْنَةُ فَلِتَعَلُّقِ بَقَائِهَا)

أَيْ الْأَرْضِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ (بِالْمُقَاتَلَةِ الْمَصَارِفُ) لَهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَالْعُقُوبَةُ لِلِانْقِطَاعِ بِالزِّرَاعَةِ عَنْ الْجِهَادِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ بِصِفَةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عِمَارَةُ الدُّنْيَا وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْجِهَادِ وَهُوَ سَبَبُ الذُّلِّ شَرْعًا (فَكَانَ) الْخَرَاجُ (فِي الْأَصْلِ صَغَارًا) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ قَالَ وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا أَدْخَلَهُ الذُّلَّ» (وَبَقِيَ) الْخَرَاجُ لِلْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَظِيفَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ (لَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ) أَوْ وَرِثَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ أَسْلَمَ مَالِكُهَا (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الصَّغَارَ (فِي ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ) لَا فِي بَقَائِهِ نَظَرًا إلَى مَا فِيهِ مِنْ رُجْحَانِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ الَّتِي الْمُؤْمِنُ مِنْ أَهْلِهَا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ (وَحَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ أَيْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِسَبَبٍ مُبَاشِرٍ) أَيْ شَيْءٍ ثَابِتٌ بِذَاتِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَمِ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ وُضِعَ لَهُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِهِ أَدَاؤُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَلْ ثَبَتَ بِحُكْمِ أَنَّ اللَّهَ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَهُوَ (خُمُسُ الْغَنَائِمِ) أَيْ الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْكُفَّارِ قَهْرًا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ

فَإِنَّ الْجِهَادَ حَقُّ اللَّهِ إعْزَازًا لِدِينِهِ وَإِعْلَاءً لِكَلِمَتِهِ فَالْمُصَابُ كُلُّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْغَانِمِينَ امْتِنَانًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْجِبُوهَا بِالْجِهَادِ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِعَمَلِهِ لِمَوْلَاهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاسْتَبْقَى الْخُمُسَ حَقًّا لَهُ وَأَمَرَ بِالصَّرْفِ إلَى مَنْ سَمَّاهُمْ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَتَوَلَّى السُّلْطَانُ أَخْذَهُ وَقِسْمَتَهُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ فِي إقَامَةِ حُقُوقِهِ لَا أَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَنَا أَدَاؤُهُ بِطَرِيقِ الطَّاعَةِ (وَمِنْهُ) أَيْ الْحَقِّ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ (الْمَعْدِنِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي نَفْسِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلْقِهَا (وَالْكَنْزُ) وَهُوَ الْمُثْبَتُ فِيهَا مِنْ الْأَمْوَالِ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ وَالرِّكَازُ يَعُمُّهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ الرِّكَزِ مُرَادًا بِهِ الْمَرْكُوزُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوْ الْمَخْلُوقَ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْمُرَادُّ بِالْمَعْدِنِ هُنَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْجَامِدُ الَّذِي يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَبِالْكَنْزِ مَا لَا عَلَامَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَتَّى كَانَ جَاهِلِيًّا لِأَنَّ هَذَيْنِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِمَا وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْوَاجِدِ وَبَقِيَ الْخُمُسُ لَهُ تَعَالَى مَصْرُوفًا إلَى مَنْ أُمِرَ بِالصَّرْفِ إلَيْهِ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ خُمُسُهُمَا وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (فَلَمْ يَلْزَمْ أَدَاؤُهُ) أَيْ الْخُمُسِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ (طَاعَةً) فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ لِيَقَعَ دَفْعُهُ قُرْبَةً بِهَا (إذْ لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ) أَيْ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ دَفْعُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ (بَلْ مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ الْفِعْلِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ فَالنَّفْيُ رَاجِعٌ إلَى الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ (بَلْ هُوَ) أَيْ الْخُمُسُ (حَقٌّ لَهُ تَعَالَى) كَمَا بَيَّنَّا (فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ إذَا لَمْ يَتَّسِخْ إذْ لَمْ تَقُمْ بِهِ قُرْبَةٍ وَاجِبَةٌ)

قُلْت: وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى قُرْبَةِ بِنَاءٍ عَلَى حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِمْ كَالْمَفْرُوضَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ كَيْفَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْخُمُسُ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ» .

ثُمَّ إنَّمَا قَيَّدْنَا الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ بِالْقَيْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِدُونِهِمَا لَيْسَ حُكْمَهُمَا ذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُقَيِّدُوهُمَا بِهِمَا فِي الْأُصُولِ اعْتِمَادًا عَلَى إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِمَا فِي الْفُرُوعِ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ الْمَعَادِنَ مَعَ أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>