للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَنِيمَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْغَنِيمَةِ خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا كَخَفَاءِ اسْمِ السَّارِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبَّاشِ وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الشَّافِعِيُّ فِيهَا الْخُمُسَ حَيْثُ يُشْبِهُ الصَّيْدَ وَلَا نَحْنُ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَفِي أَرْضِهِ فِي رِوَايَةٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْخَامِسُ (وَعُقُوبَاتٌ كَامِلَةٌ) أَيْ مَحْضَةٌ لَا يَشُوبُهَا مَعْنًى آخَرَ تَامَّةٌ فِي كَوْنِهَا عُقُوبَةً وَهِيَ (الْحُدُودُ) أَيْ حَدُّ الزِّنَا وَحْدُ السَّرِقَةِ وَحْدُ الشُّرْبِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِصِيَانَةِ الْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ وَالْعُقُولِ وَمُوجِبُهَا جِنَايَاتٌ لَا يَشُوبُهَا مَعْنَى الْإِبَاحَةِ فَاقْتَضَى كُلٌّ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُقُوبَةٌ كَامِلَةٌ زَاجِرَةٌ عَنْ ارْتِكَابِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا حَقُّهُ عَلَى الْخُلُوصِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مِلْكٍ حِمَى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ» ثُمَّ عَنْ الْمُبَرِّدِ سُمِّيَتْ الْعُقُوبَةُ عُقُوبَةً لِأَنَّهَا تَتْلُو الذَّنْبَ مِنْ عَقِبَهُ يَعْقُبُهُ إذَا تَبِعَهُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ السَّادِسُ (وَ) عُقُوبَةٌ (قَاصِرَةٌ) وَهِيَ (حِرْمَانُ الْقَاتِلِ) إرْثَ الْمَقْتُولِ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ مَعْرُوفٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ (كَوْنُهُ) أَيْ حِرْمَانِ الْقَاتِلِ (حَقًّا لَهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَا يَجِبُ لِغَيْرِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (بِالتَّعَدِّي عَلَيْهِ) أَيْ الْغَيْرِ يَكُونُ (فِيهِ نَفْعٌ لَهُ) أَيْ لِلْغَيْرِ وَالْغَيْرُ هُنَا الْمَقْتُولُ (وَلَيْسَ فِي الْحِرْمَانِ نَفْعٌ لِلْمَقْتُولِ) فَثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَا جَنَاهُ كَالْحَدِّ لِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ لِغَيْرِ اللَّهِ يَجِبُ لِلَّهِ ضَرُورَةً (وَمُجَرَّدُ الْمَنْعِ) مِنْ الْإِرْثِ (قَاصِرٌ) فِي مَعْنَى الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ أَلَمٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا نُقْصَانٌ فِي مَالِهِ بَلْ مَنَعَ ذَلِكَ ثُبُوتَ مِلْكِهِ فِي تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ.

(تَنْبِيهٌ) وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا مَوْصُوفَ قَاصِرَةٍ عُقُوبَةً كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِهَذَا الْقِسْمِ مِثَالًا غَيْرَ هَذَا وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ مِثَالٌ غَيْرُهُ حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ وَعُقُوبَاتٌ قَاصِرَةٌ الْوَاحِدُ لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ حِرْمَانُ الْوَصِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهِمَا قَاصِرٌ بِهَذَا الْقِسْمِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْوَاحِدِ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ السَّابِعُ (وَحُقُوقُهُمَا) أَيْ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ مُجْتَمِعَانِ (فِيهَا كَالْكَفَّارَاتِ) لِلْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْفِطْرِ الْعَمْدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدِ الْحَرَمِ أَمَّا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِمَا هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صِيَامٍ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَيُؤْمَرُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْفَتْوَى وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ جَبْرًا وَالشَّرْعُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَى الْمُكَلَّفِ إقَامَةَ شَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ عَلَى نَفْسِهِ بَلْ هِيَ مُفَوَّضَةٌ إلَى الْأَئِمَّةِ وَتُسْتَوْفَى جَبْرًا وَأَمَّا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ إلَّا أَجْزِيَةً عَلَى أَفْعَالٍ مِنْ الْعِبَادِ لَا مُبْتَدَأَةً كَالْعِبَادَةِ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ كَفَّارَةً لِأَنَّهَا سِتَارَةٌ لِلذُّنُوبِ (وَجِهَةُ الْعِبَادَةِ غَالِبَةٌ فِيهَا) بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِثْلُ الْخَاطِئِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَالْمُحْرِمِ الْمُضْطَرِّ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ لِمَخْمَصَةٍ وَلَوْ كَانَتْ جِهَةُ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةً لَامْتَنَعَ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ الْعُذْرِ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِأَنَّ جِهَةَ الْعِبَادَةِ إنْ لَمْ تَمْنَعْ الْوُجُوبَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَعْذُورِينَ فَجِهَةُ الْعُقُوبَةِ تَمْنَعُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ (إلَّا الْفِطْرُ) أَيْ كَفَّارَتُهُ فَإِنَّ جِهَةَ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةٌ (وَأَلْحَقَهَا) أَيْ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ (الشَّافِعِيُّ بِهَا) أَيْ بِبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ فِي تَغْلِيبِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى الْعُقُوبَةِ حَيْثُ لَمْ يُسْقِطْهَا بِالشُّبْهَةِ كَمَا سَيَأْتِي

(وَالْحَنَفِيَّةُ) إنَّمَا قَالُوا بِتَغْلِيبِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا عَلَى الْعِبَادَةِ (لِتَقَيُّدِهَا) أَيْ وُجُوبِهَا (بِالْعَمْدِ) أَيْ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ (لِيَصِيرَ) الْفِطْرُ الْعَمْدُ (حَرَامًا وَهُوَ) أَيْ الْحَرَامُ (الْمُثِيرُ لِلْعُقُوبَةِ وَالْقُصُورِ) لِلْعُقُوبَةِ فِيهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ كَامِلَةً (لِكَوْنِ الصَّوْمِ لَمْ يَصِرْ حَقًّا تَامًّا مُسَلَّمًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ) وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ تَمَامَهُ بِإِكْمَالِهِ يَوْمًا فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ فَقَصُرَتْ عُقُوبَتُهَا جَزَاءً وِفَاقًا (فَلِذَا) أَيْ لِقُصُورِ الْعُقُوبَةِ فِي هَذَا الْحَقِّ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ (تَأَدَّى) هَذَا الْحَقُّ (بِالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَشُرِطَتْ النِّيَّةُ) فِيهِ (فَتَفَرَّعَ) عَلَى غَلَبَةِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ (دَرْؤُهَا بِالشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ كَمَا يُدْرَأُ الْحَدُّ بِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ تَجِبْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ جَامَعَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَأَيْضًا (فَوَجَبَتْ مَرَّةً بِمِرَارٍ) أَيْ بِفِطْرٍ مُتَعَدِّدٍ فِي أَيَّامٍ (قَبْلَ التَّكْفِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَاحِدٍ عِنْدَنَا كَمَا يُحَدُّ مَرَّةً وَاحِدَةً بِزِنَاهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إذَا لَمْ يُحَدَّ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>