عَلَيْهِ بِكُلِّ فِطْرِ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ (وَمِنْ اثْنَيْنِ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِفِطْرٍ مُتَعَدِّدٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) أَيْ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا فِي التَّلْوِيحِ وَفِي الْكَافِي فِي الصَّحِيحِ (خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ فِطْرِ الْأَيَّامِ مِنْهُمَا قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ حَكَى فِي الْحَقَائِقِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَعَدُّدِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ (لِأَنَّ التَّدَاخُلَ دَرْءٌ) ثُمَّ مَعْنَى الزَّجْرِ مُعْتَبَرٌ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَمَا عُلِمَ وَالزَّجْرُ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ (وَلَوْ كَفَّرَ) عَنْ فِطْرِ يَوْمٍ (ثُمَّ أَفْطَرَ) فِي آخَرَ (فَأُخْرَى لِتَيَقُّنِ عَدَمِ انْزِجَارِهِ بِالْأُولَى فَتُفِيدُ) الْكَفَّارَةُ (الثَّانِيَةُ) الِانْزِجَارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ بِالْفِطْرِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الظَّاهِرُ.
(تَتْمِيمٌ) وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْعُقُوبَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَدِيعِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَتَكُونُ جِهَةُ الْجِنَايَةِ غَالِبَةً فَيَكُونُ فِي جَزَائِهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ غَالِبَةً وَدُفِعَ بِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ الظِّهَارُ بَلْ الْعَوْدُ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالظِّهَارِ كَمَا هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ أَوْ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ جَمِيعًا كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ اسْتَرْوَحَ كُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣] الْآيَةُ لِأَنَّ لَفْظَهَا يَحْتَمِلُهُمَا إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُهَا عَلَيْهِمَا كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَخِيرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ كَوْنُهُ الْأَخِيرَ لِأَنَّهُ بَسِيطٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَكَّبِ وَيُرَدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ لَا شَرْطِهِ وَالْكَفَّارَةُ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ لَا الْعَزْمِ وَعَلَى الْآخَرَانِ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ لَا تَتَقَرَّرُ الْكَفَّارَةُ أَوْ إيفَاءُ الْوَاجِبِ مِنْ الْوَطْءِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَلَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ فَإِنَّ إيفَاءَ حَقِّهَا مِنْ الْوَطْءِ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا ذَكَرَ الْإِمَامُ السُّرُوجِيُّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عِنْدَنَا لَا تَتَقَرَّرُ الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ لَمْ تَلْزَمْهُ عِنْدَنَا قَالَ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عِنْدَنَا لَا بِالظِّهَارِ وَلَا بِالْعَوْدِ إذْ لَوْ وَجَبَتْ لَمَا سَقَطَتْ بَلْ مُوجِبُ الظِّهَارِ ثُبُوتُ التَّحْرِيمِ فَإِذَا أَرَادَ رَفْعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ وَلَمْ تُطَالِبْ الْمَرْأَةُ بِالْوَطْءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَصْلًا اهـ عَلَى أَنَّهُ كَمَا فِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا تَكْفِيرُ الْمَعْصِيَةِ وَإِذْهَابُ السَّيِّئَةِ خُصُوصًا إذْ صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا مَعَ حُكْمِهَا الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ الْمُوَصِّلُ إلَى الْجَنَّةِ تَصِيرُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَعْصِيَةِ فَتَصِيرُ الْمَعْصِيَةُ بِوَاسِطَةِ حُكْمِهَا سَبَبًا لِلْوُصُولِ إلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ مُحَالٌ اهـ
ثُمَّ يُشْكِلُ كَوْنُ الْغَلَبَةِ فِيهَا لِجِهَةِ الْعُقُوبَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةِ وَمَا الْعُقُوبَةُ غَالِبَةٌ فِيهِ التَّدَاخُلُ وَلَا تَدَاخُلَ هُنَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالثَّانِي فَصَاعِدًا التَّكْرَارَ وَالتَّأْكِيدَ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهَا أَنَّ دَاعِيَةَ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ لَمَّا كَانَتْ قَوِيَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ شَهْوَةَ الْبَطْنِ أَمْرٌ مُعَوَّدٌ لِلنَّفْسِ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى زَاجِرٍ فَوْقَ مَا فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ فَصَارَ الزَّجْرُ فِيهَا أَصْلًا وَالْعِبَادَةُ تَبَعًا فَإِنَّ مَنْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى الْإِفْطَارِ طَلَبًا لِلرَّاحَةِ فَتَأَمَّلَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ انْزَجَرَ لَا مَحَالَةَ وَبَاقِي الْكَفَّارَاتِ بِالْعَكْسِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ شُرِعَتْ فِيمَا يَنْدُبُ إلَى تَحْصِيلِ مَا تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ بِالْعِلَلِ وَهُوَ الْعَوْدُ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ شُرِعَتْ فِيمَا يَجِب تَحْصِيلُ مَا تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ تَعَلُّقَ الْأَحْكَامِ بِالشُّرُوطِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ أَبَاهُ وَشَرْعُ الزَّاجِرِ فِيمَا يُنْدَبُ أَوْ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَالثَّانِي حُقُوقُ الْعِبَادِ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَمِلْكِ الْمَبِيعِ وَالزَّوْجَةِ وَكَثِيرٍ وَمَا اجْتَمَعَا) أَيْ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ (فِيهِ وَحَقُّهُ تَعَالَى غَالِبٌ) وَهُوَ (حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقَعُ نَفْعُهُ عَامًّا بِإِخْلَاءِ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهَذَا إنْسَانٌ دُونَ إنْسَانٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute