للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْعِرْضِ وَدَفْعَ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ حَقُّ الْعَبْدِ إذْ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ ثُمَّ فِي هَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا لِأَنَّ فِي النَّفْسِ حَقَّيْنِ: حَقُّ الِاسْتِعْبَادِ لِلَّهِ وَحَقُّ الِانْتِفَاعِ لِلْعَبْدِ فَكَانَ الْغَالِبُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ إسْقَاطُهُ) أَيْ الْحَدِّ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَحِّضٍ لَهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ الْعِدَّةِ بِإِسْقَاطِ الزَّوْجِ إيَّاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْغَالِبِ فِي هَذَا الْحَدِّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَقْذُوفِ لِيُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ (لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى لَا يَسْتَوْفِيهَا إلَّا الْإِمَامُ) لِاسْتِنَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ فِي اسْتِيفَائِهَا دُونَ غَيْرِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ (لِتُهْمَتِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ الْمَقْذُوفَ (بِالزِّنَا وَأَثَرُ الشَّيْءِ مِنْ بَابِهِ) أَيْ بَابِ ذَلِكَ الشَّيْءِ

وَحَدُّ الزِّنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا (فَدَارَ) حَدُّ الْقَذْفِ (بَيْنَ كَوْنِهِ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا) كَحَدِّ الزِّنَا (أَوْ) بَيْنَ كَوْنِهِ (لَهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (وَلِلْعَبْدِ) كَمَا ذَكَرْنَا فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُقَالَ (فَتَغَلَّبَ) حَقُّ اللَّهِ (بِهِ) أَيْ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّى اسْتِيفَاءَهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مَرْعِيًا بِتَغْلِيبِ حَقِّ مَوْلَاهُ لَا مُهْدَرًا وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَذَهَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا بَيْنَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلِفٍ فِيهِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَمِنْهَا مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ وَمَحَلُّ الْخَوْضِ فِيهَا الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ (وَمَا اجْتَمَعَا) أَيْ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ (وَالْغَالِبُ حَقُّ الْعَبْدِ) وَهُوَ (الْقِصَاصُ بِالِاتِّفَاقِ) فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْعَبْدِ حَقُّ الِاسْتِعْبَادِ وَلِلْعَبْدِ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَفِي شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ إيفَاءٌ لِلْحَقَّيْنِ وَإِخْلَاءٌ لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ إلَّا أَنَّ وُجُوبَهُ بِطَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ مَعْنَى الْجَبْرِ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ بِالْمَحِلِّ فَكَانَ حَقُّ الْعَبْدِ رَاجِحًا وَلِهَذَا فُرِضَ اسْتِيفَاؤُهُ لِلْوَارِثِ وَجَرَى فِيهِ الِاعْتِيَاضُ بِالْمَالِ وَالْعَفْوِ

(وَيَنْقَسِمُ) مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مُطْلَقًا (أَيْضًا بِاعْتِبَارِ آخِرِ أَصْلٍ وَخَلَفٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اتِّصَافُهُ بِالْأَصَالَةِ وَالْخَلْفِيَّةِ إلَى أَصْلٍ وَخَلَفٍ ثُمَّ (لَا يَثْبُتُ) كَوْنُهُ خَلَفًا (إلَّا بِالسَّمْعِ) نَصًّا أَوْ دَلَالَةً أَوْ إشَارَةً أَوْ اقْتِضَاءً (صَرِيحًا أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَالْأَصْلِ لَا بِالرَّأْيِ فَحَذَفَ الْمُنْقَسِمَ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ (فَالْأَصْلُ كَالتَّصْدِيقِ فِي الْإِيمَانِ) فَإِنَّهُ أَصْلٌ مُحْكَمٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِعُذْرٍ مَا وَلَا يَبْقَى مَعَ التَّبْدِيلِ بِحَالٍ (وَالْخَلَفُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ التَّصْدِيقِ (الْإِقْرَارُ) بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ عَمَّا فِي الْجَنَانِ (وَإِذْ لَمْ يُعْلَمْ الْأَصْلَ يَقِينًا) لِأَنَّهُ غَيْبٌ (أُدِيرَ) الْحُكْمُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَلَفِ (فَلَوْ أُكْرِهَ) الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ (فَأَقَرَّ) بِهِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لِوُجُودِهِ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَحِينَئِذٍ (فَرُجُوعُهُ) عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ بِاللِّسَانِ (رِدَّةٌ لَكِنْ لَا تُوجِبُ الْقَتْلَ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ شُبْهَةٌ لِإِسْقَاطِهِ (بَلْ) تُوجِبُ (الْحَبْسَ وَالضَّرْبَ حَتَّى يَعُودَ) إلَى الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَوْدِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَدُفِنَ) مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِلَافُهُ إلَى أَنْ مَاتَ (فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ بِالْإِسْلَامِ مُكْرَهًا (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بَاقِي أَحْكَامُ الْخَلْفِيَّةِ فِي الدُّنْيَا) مِنْ إسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَعَلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا الْآخِرَةُ فَالْمَذْهَبُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ نَصُّ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (أَصْلٌ) فِي أَحْكَامِهَا أَيْضًا (فَلَوْ صَدَّقَ) بِقَلْبِهِ (وَلَمْ يُقِرَّ) بِلِسَانِهِ (بِلَا مَانِعٍ) لَهُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَاسْتَمَرَّ (حَتَّى مَاتَ كَانَ فِي النَّارِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ) وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ (التَّصْدِيقُ وَحْدَهُ) فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ هُوَ (وَالْإِقْرَارُ) شَرْطٌ (لِأَحْكَامِ الدُّنْيَا) أَيْ لِإِجْرَائِهَا عَلَيْهِ (كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو مَنْصُورُ الْمَاتُرِيدِيُّ ثُمَّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ الْإِقْرَارُ لِهَذَا الْغَرَضِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ وَالْإِظْهَارِ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِإِتْمَامِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّكَلُّمِ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ عَلَى غَيْرِهِ

ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ قَادِرًا وَتَرَكَ التَّكَلُّمَ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِبَاءِ إذْ الْعَاجِزُ كَالْأَخْرَسِ مُؤْمِنٌ اتِّفَاقًا وَالْمُصِرُّ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَارِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ كَافِرٌ وِفَاقًا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ عَدَمِ التَّصْدِيقِ (ثُمَّ صَارَ أَدَاءُ الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ خَلَفًا عَنْ أَدَائِهِمَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>