للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِهِمَا فَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِهِمَا ثُمَّ تَعَقُّلُ الْمَحْدُودِ مُسْتَفَادٌ مِنْ ثُبُوتِ الْحَدِّ لَهُ فَلَوْ تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحَدِّ لَهُ عَلَى الدَّلِيلِ يَلْزَمُ الدَّوْرُ.

وَإِنَّمَا مَنَعَ الْمُصَنِّفُ التَّعْلِيلَ بِهَذَا أَيْضًا (لِأَنَّ تَوَقُّفَ الدَّلِيلِ) عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَحْدُودُ هُنَا إنَّمَا هُوَ (عَلَى تَعَقُّلِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ) مَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا (وَهُوَ) أَيْ تَعَقُّلُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ (عَلَيْهِ) أَيْ الدَّلِيلِ (بِوَاسِطَةِ تَوَقُّفِهِ) أَيْ تَوَقُّفِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (عَلَى الْحَدِّ بِحَقِيقَتِهِ) الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ الدَّلِيلِ فَلَا دَوْرَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ بِوَجْهٍ وَالْمَحْدُودُ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ بِوَاسِطَةِ اسْتِدْعَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ تَصَوُّرًا بِالْحَدِّ بِحَقِيقَتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ.

فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الدَّلِيلَ تَوَقَّفَ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ بِوَجْهٍ وَتَصَوُّرُ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ لَكِنْ يَطْرُقُ هَذَا أَنَّ الدَّلِيلَ يَجِبُ فِيهِ تَعَقُّلُ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ فَلَوْ أُقِيمَ الْبُرْهَانُ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَقُّلِ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَدٌّ، وَفِيهِ تَعَقُّلُ الْمَحْدُودِ بِحَقِيقَتِهِ فَيَكُونُ تَعَقُّلُ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ بِالْحَدِّ حَاصِلًا قَبْلَ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهُ فَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ لِيُجْعَلَ ذَرِيعَةً إلَى تَصَوُّرِهِ بِالْحَدِّ لَزِمَ الدَّوْرُ (أَوْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ أَمْرًا فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ لِلدَّوْرِ أَيْ وَلَا لِمَا قِيلَ لَا يُكْتَسَبُ الْحَدُّ بِبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ الْبُرْهَانَ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ أَمْرٍ، وَهُوَ الْمَحْكُومُ بِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ وَسَطٌ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ (وَبِتَقْدِيرِهِ يَسْتَلْزِمُ عَيْنَهُ) أَيْ وَلَوْ قُدِّرَ فِي الْحَدِّ وَسَطٌ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَهُ لِلْمَحْدُودِ لَكَانَ الْوَسَطُ مُسْتَلْزِمًا لِحُصُولِ عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ التَّامَّ لَيْسَ أَمْرًا غَيْرَ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ تَفْصِيلًا، وَفِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ بَيِّنٌ فَإِذَا تَصَوَّرَ النِّسْبَةَ بَيْنَهُمَا حَصَلَ الْجَزْمُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبُرْهَانِ إلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِهَا الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُكْمِ فَهُوَ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبُرْهَانِ فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ، وَإِنَّمَا مَنَعَ الْمُصَنِّفُ التَّعْلِيلَ بِهَذَا أَيْضًا (لِأَنَّهُ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِهِ (غَيْرُ ضَائِرٍ) لِدَعْوَى إثْبَاتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَحْذُورَ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ دَعْوَى أَنَّ الْحَدَّ عَيْنُ الْمَحْدُودِ، وَهِيَ مِمَّا تُمْنَعُ فَإِنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْبُرْهَانِ مُطْلَقًا.

(فَإِنْ قَالَ) الْمُعَلِّلُ بِهَذَا: وَكَيْفَ يَتَّجِهُ دَعْوَى اكْتِسَابِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ (وَتَعَقُّلُهَا) أَيْ عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَحْدُودُ (يَحْصُلُ بِالْحَدِّ) أَيْ بِتَعَقُّلِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ أَجْزَاءُ الْمَحْدُودِ وَحَيْثُ تَوَقَّفَ ثُبُوتُهُ لِلْمَحْدُودِ عَلَى تَصَوُّرِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِذَا تَعَقَّلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَدٌّ فَقَدْ حَصَلَ الْمَحْدُودُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ (فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا التَّوْجِيهِ لِنَفْيِ اكْتِسَابِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ كَالْجَوَابِ عَنْ التَّوْجِيهِ لِنَفْيِهِ بِاسْتِغْنَاءِ ثُبُوتِ الْحَدِّ لَهُ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الْحَدِّ مَعْلُومَةَ الِانْتِسَابِ بِالْجُزْئِيَّةِ إلَى الْمَحْدُودِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ قَطْعًا مِنْ الْعِلْمِ بِالْمَحْدُودِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا كَسْبٍ لَكِنَّ الْمَفْرُوضَ جَهَالَةُ انْتِسَابِهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمَحْدُودُ بَدِيهِيَّ التَّصَوُّرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَسْبٍ وَنَظَرٍ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ وَجَوَابَهُ مُغْنِيَانِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ وَالْإِشَارَةُ إلَى جَوَابِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ التَّعْلِيلَ الْمُتَّجَهُ عِنْدَهُ لِهَذِهِ الدَّعْوَى مُضْرِبًا عَنْ هَذِهِ التَّعَالِيلِ كُلِّهَا فَقَالَ: (بَلْ لِعَدَمِهِ) أَيْ بَلْ الْعَجْزُ لَازِمٌ لِلْحَادِّ فِي مَنْعِ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ لِعَدَمِ وُجُودِ بُرْهَانٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ الْمَحْضَةِ، وَهِيَ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْبُرْهَانِ فَالِاقْتِصَارُ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى ذِكْرِ عَدَمِ وُجُودِ الْبُرْهَانِ لَهُ أَوْلَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ قَصْرِ الْمَسَافَةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ.

(فَإِنْ قِيلَ الْمُتَعَجِّبُ يُفِيدُهُ) أَيْ إثْبَاتُ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ النَّاطِقَةِ حَدًّا لِلْإِنْسَانِ (كَنَاطِقٍ) أَيْ مِثْلِ أَنْ يُقَالَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>