نَاطِقٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِنْسَانَ (مُتَعَجِّبٌ وَكُلُّ مُتَعَجِّبٍ) حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَالْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ (قُلْنَا) هَذَا الدَّلِيلُ (يُفِيدُ مُجَرَّدَ ثُبُوتِهِ) أَيْ الْحَدُّ الَّذِي هُوَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ لِلْمَحْدُودِ الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ لِلْمُسَاوَاةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْمُتَعَجَّبِ (وَالْمَطْلُوبُ) لِلْقَائِلِ بِأَنَّ الْحَدَّ يُكْتَسَبُ بِالْبُرْهَانِ (أَخَصُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ بِالْبُرْهَانِ، وَهُوَ (كَوْنُهُ عَلَى وَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَدِّ ثَابِتًا لِلْمَحْدُودِ عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْهُ بِالْبُرْهَانِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يُثْبِتُهُ كَذَلِكَ (فَالْحَقُّ حُكْمُ الْإِشْرَاقِيِّينَ) ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ يُؤْثِرُونَ طَرِيقَةَ أَفْلَاطُونَ، وَمَا لَهُ مِنْ الْكَشْفِ وَالْعِيَانِ عَلَى طَرِيقَةِ أَرِسْطُو، وَمَا لَهُ مِنْ الْبَحْثِ وَالْبُرْهَانِ.
(لَا يُكْسِبُ الْحَقِيقَةَ إلَّا الْكَشْفُ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ تُدْرَكُ بِهِ حَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ كَإِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْحِسِّ السَّلِيمِ غَيْرِ مَقْدُورٍ لِلْمَخْلُوقِ تَحْصِيلُهُ (وَهُوَ مَعْنَى الضَّرُورَةِ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِهَا، وَهُوَ الضَّرُورِيُّ، وَمِنْ ثَمَّةَ فُسِّرَ بِمَا لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلْمَخْلُوقِ تَحْصِيلُهُ، وَإِلَّا فَالضَّرُورَةُ هُنَا مُفَسَّرَةٌ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَهُوَ لَا يَصْدُقُ ظَاهِرًا عَلَى الْكَشْفِ لَا أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْحَقَائِقِ الْعَيْنِيَّةِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِالْحُدُودِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَشَّاءُونَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ الْمُؤْثِرُونَ طَرِيقَةَ أَرِسْطُو؛ لِأَنَّهُمْ سَلَّمُوا أَنَّ الشَّيْءَ يُذْكَرُ فِي تَعْرِيفِهِ الذَّاتِيِّ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَسَلَّمُوا أَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ الْمَعْلُومِ، وَالذَّاتِيُّ الْخَاصُّ لَيْسَ بِمَعْهُودٍ لِمَنْ يُعْرَفُ بِهِ فِي مَكَان آخَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ خَاصًّا، وَقَدْ فُرِضَ خَاصًّا هَذَا خَلَفٌ ثُمَّ حَيْثُ يَكُونُ الْحَقُّ فِي بَابِ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِالْمُتَصَوِّرَاتِ بِالْحَقَائِقِ الْعَيْنِيَّةِ مَا سَلَكَهُ الْإِشْرَاقِيُّونَ فَمَنْ هُوَ بِصَدَدِ الْمُعَارَضَةِ لِغَيْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ إمَّا مُوَافِقٌ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يُدْرِكَ حَقِيقَةَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالْعِبَارَةِ الْمُوَافَقَةِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَحِينَئِذٍ فَبَابُ الْمَنْعِ مَسْدُودٌ لِلتَّسْجِيلِ عَلَى الْمَانِعِ حِينَئِذٍ بِالْمُكَابَرَةِ وَالسَّفْسَطَةِ فِي ضَرُورِيٍّ، وَإِمَّا عَارٍ عَنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَعْذُورٌ وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ لَعَلَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ مِنْ امْتِنَاعِ الْكَسْبِ فِي التَّصَوُّرَاتِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِأَسْرِهَا مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورِيَّاتِ اخْتِيَارٌ لِطَرِيقَةِ الْإِشْرَاقِيِّينَ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ بِهِ أَلِيقُ.
(وَكَذَا مَنْعُ التَّمَامِ) أَيْ وَكَذَا الْعَجْزُ لَازِمٌ لِلْحَادِّ إذَا مَنَعَ مَانِعٌ كَوْنَ الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَمْرٍ حَقِيقِيٍّ حَدًّا تَامًّا لَهُ بِأَنْ مَنَعَ كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِيهِ جَمِيعُ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ فَإِنَّ الْحَادَّ لَا يَسْتَطِيعُ حِينَئِذٍ دَفْعَهُ بِالْبُرْهَانِ (فَلَوْ قَالَ) الْحَادُّ فِي دَفْعِ هَذَا الْمَنْعِ هَذَا الْمَنْعُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ (لَوْ كَانَ) هَذَا الْحَدُّ غَيْرَ تَامٍّ لِإِخْلَالِهِ بِبَعْضِ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ (لَمْ نَعْقِلْهَا) أَيْ حَقِيقَةَ الْمَحْدُودِ بِالْكُنْهِ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ تَعَقُّلِهَا بِالْكُنْهِ عَلَى تَعَقُّلِ جَمِيعِ ذَاتِيَّاتِهَا لَكِنَّا عَقَلْنَاهَا بِالْكُنْهِ فَالْمَذْكُورُ فِي حَدِّهَا جَمِيعُ ذَاتِيَّاتِهَا (مَنَعَ نَفْيَ التَّالِي) أَيْ كَانَ لِلْمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْيَ التَّالِي بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّك عَقَلَتْهَا بِالْكُنْهِ فَتَقَرَّرَ الْعَجْزُ (فَالِاعْتِرَاضُ) عَلَى الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَدٌّ (بِبُطْلَانِ الطَّرْدِ) أَيْ طَرْدِهِ بِأَنْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَحْدُودُ كَمَا لَوْ قِيلَ مَثَلًا حَدًّا لِكَلِمَةٍ بِدَالٍّ عَلَى مَعْنَى مُفْرَدٍ غَيْرِ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْخَطِّ، وَعَدَمِ صِدْقِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ.
(وَالْعَكْسُ) أَيْ وَبِبُطْلَانِ عَكْسِهِ بِأَنْ وُجِدَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ وَلَمْ يَصْدُقْ الْحَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قِيلَ مَثَلًا حَدُّ الْإِنْسَانِ بِحَيَوَانٍ ضَاحِكٍ بِالْفِعْلِ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِعَدَمِ صِدْقِهِ عَلَى إنْسَانٍ لَمْ يَضْحَكْ قَطُّ (بِنَاءً عَلَى الِاعْتِبَارِ فِي الْمَفْهُومِ، وَعَدَمِهِ) فَيَتَوَجَّهُ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمُعْتَرِضِ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَادُّ فِي الْحَدِّ، وَقَدْ وُضِعَ الِاسْمُ لِذَلِكَ الْمَذْكُورِ وَالْمَتْرُوكِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُسَمَّى فَحَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ لَزِمَ عَدَمُ الِاطِّرَادِ وَيَتَوَجَّهُ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ ذَكَرَهُ الْحَادُّ فِي الْحَدِّ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمَحْدُودِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيمَا وُضِعَ الِاسْمُ لَهُ فَلَزِمَ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهِ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَحِينَئِذٍ يُطَالَبُ الْحَادُّ لِلْمُعْتَرِضِ بِذَلِكَ الْحَدِّ عَلَى رَأْيِهِ لِيُقَابِلَ أَحَدَ الْحَدَّيْنِ بِالْآخَرِ وَيُعَرِّفَ الْأَمْرَ الَّذِي فِيهِ يَتَفَاوَتَانِ مِنْ زِيَادَةِ أَوْ نُقْصَانٍ وَيُجَرِّدَ النَّظَرَ إلَيْهِ فَيُبْطِلَهُ بِطَرِيقِهِ أَوْ يُثْبِتَهُ بِطَرِيقِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا (فَإِنَّمَا يُورِدُ) الِاعْتِرَاضَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (عَلَيْهِ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute