للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ بِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الْكَثْرَةِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ أَكْثَرَ مِنْهُمَا عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْمُرَادِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ لِثُبُوتِ الْحَرَجِ بِثُبُوتِ الْكَثْرَةِ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ فَلَا يَقْضِي شَيْئًا (بِخِلَافِ النَّوْمِ فِيهِمَا) أَيْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اسْتِيعَابًا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ (إذْ لَا حَرَجَ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ عَادَةً) بَلْ هُوَ نَادِرٌ فَإِنْ قِيلَ النِّيَابَةُ تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَتَوْكِيلِ الْمُكَلَّفِ غَيْرَهُ بِأَدَاءِ زَكَاةِ مَالِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَارِيَ فِيهَا النِّيَابَةُ شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ اخْتِيَارِيَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ فِيهَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ فَيَصِحُّ عِبَادَةً وَهَذَا لَا يَتِمُّ فِي الْجَبْرِيَّةِ كَنِيَابَةِ الْوَلِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالزَّكَاةُ وَإِنْ تَأَدَّتْ بِالنَّائِبِ لَكِنَّ إيجَابَهَا لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ) الصَّبِيُّ (مِنْ أَهْلِهِمَا) أَيْ الْأَدَاءِ وَالِاخْتِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَةِ لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ (أَسْقَطَ مُحَمَّدٌ الْفِطْرَةَ) أَيْ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ (تَرْجِيحًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ) فِيهَا وَانْتِفَائِهَا فِيهِ.

(وَاكْتَفَيَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (بِالْقَاصِرَةِ) أَيْ بِالْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ فِيهَا فَأَوْجَبَاهَا عَلَيْهِ (تَرْجِيحًا لِلْمُؤْنَةِ) فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْضَحُ (وَبِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَجْزِيَةِ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ بِقَتْلِهِ) لِمُوَرِّثِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا جَزَاءُ التَّقْصِيرِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ وَاسْتَثْنَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ) وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْحَلْوَانِيُّ وَمُوَافِقُوهُمْ (مِنْ الْعِبَادَاتِ) أَيْ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ (الْإِيمَانَ فَأَثْبَتَ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا مُوَافِقُوهُ (وُجُوبَهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِسَبَبِيَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ) بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الْبَارِي تَعَالَى لِنَفْسِ وُجُوبِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ جَبْرًا وَقِيَامُ الذِّمَّةِ لَهُ (لَا الْأَدَاءِ) أَيْ، وَلَمْ يُثْبِتْ وُجُوبَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ لَهُ مَنُوطَةٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ وَاعْتِدَالِهِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبُلُوغِ.

(فَإِذَا أَسْلَمَ عَاقِلًا وَقْع) إسْلَامُهُ (فَرْضًا) ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ النَّفَلَ أَصْلًا فَوَقَعَ فَرْضًا (فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهُ) أَيْ إسْلَامِهِ حَالَ كَوْنِهِ (بَالِغًا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ السَّبَبِ) لِوُجُوبِهَا فَصَارَ أَدَاءُ الْإِيمَانِ فِي حَقِّهِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ سَبَبِ وُجُوبِهَا قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ (فَإِنْ قِيلَ مِثْلُهُ) أَيْ جَوَازُ تَعْجِيلِ الْحُكْمِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهِ (يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمْعِ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا سَيَجِبُ إذَا وَجَبَ بِفِعْلٍ قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (قُلْنَا) نَعَمْ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ (إسْلَامُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) إذْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشَرِ سِنِينَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «دَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّايَةَ إلَى عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ الذَّهَبِيُّ هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرِ سِنِينَ بَلْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُمُرُهُ حِينَ أَسْلَمَ خَمْسَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ وَمِنْ الْمَبْعَثِ إلَى بَدْرٍ خَمْسَ عَشْرَةَ فَلَعَلَّ فِيهِ تَجَوُّزًا بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ الَّذِي فَوْقَ الْعِشْرِينَ حَتَّى يُوَافِقَ قَوْلَ عُرْوَةَ قَالُوا وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامَهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إقْرَارِهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ لَمْ يُوَافِقْ مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ إلَّا امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ وَهَذَا الْغُلَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ عَفِيفٌ فَرَأَيْتهمْ يُصَلُّونَ فَوَدِدْت أَنِّي أَسْلَمْت حِينَئِذٍ فَأَكُونُ رُبُعَ الْإِسْلَامِ.

قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ يُقَالُ تَصْحِيحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إسْلَامَهُ إنْ أُرِيدَ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَمُسْلِمٌ وَكَلَامُنَا فِي تَصْحِيحِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى لَا يَرِثَ أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحَهُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>