للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّقَبَةِ أَوْ الْكَسْبِ إلَيْهَا فَلَا يُطَالَبُ بِدُونِ انْضِمَامِ أَحَدِهِمَا إلَيْهَا إذْ لَا مَعْنَى لِاحْتِمَالِهَا الدَّيْنَ إلَّا صِحَّةُ الْمُطَالَبَةِ فَظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَقْوَ عَلَى ذَلِكَ (حَتَّى ضُمَّ إلَيْهَا) أَيْ ذِمَّتِهِ (مَالِيَّةُ رَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ فَيَبِيعُ فِيمَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَفْدِهِ وَلَا كَسْبَ أَوْ لَمْ يَفِ) كَسْبُهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بَيْعُهُ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَحِينَئِذٍ يُسْتَسْعَى وَالدَّيْنُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (كَمَهْرٍ وَدَيْنِ تِجَارَةٍ عَنْ إذْنٍ) لِرِضَا الْمَوْلَى بِذَلِكَ (أَوْ تَبَيَّنَ اسْتِهْلَاكٌ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (لَا إقْرَارُهُ) أَيْ لَا بِإِقْرَارِهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَالَ كَوْنِهِ (مَحْجُورًا) لِوُجُودِ التُّهْمَةِ وَعَدَمِ رِضَا الْمَوْلَى بِذَلِكَ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ لَكِنْ يُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ (وَحِلُّهُ) أَيْ وَانْحِطَاطُ الْحِلِّ الثَّابِتِ لَهُ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْحِلِّ الثَّابِتِ لِلْحُرِّيَّةِ (فَاقْتَصَرَ) حِلُّهُ (عَلَى ثِنْتَيْنِ نِسَاءً) لَهُ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

وَقَالَ مَالِكٌ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ الْمُتَعَدِّدِ كَأَقْرَاءِ الْعِدَّةِ وَعَدَدِ الطَّلَاقِ وَجَلَدَاتِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّعَمِ بِآثَارِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَقَدْ أَثَّرَ الرِّقُّ فِي نُقْصَانِهَا حَتَّى أُلْحِقَ بِالْبَهَائِمِ يُبَاعُ بِالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ فَكَذَا أَثَّرَ فِي نُقْصَانِ الْحِلِّ إلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ كَمَا أَثَّرَ فِي الْعُقُوبَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَفِي مُغْنِي ابْنِ قُدَامَةَ وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ أَجْمَعُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثِنْتَيْنِ وَطَلَاقُهُ ثِنْتَانِ وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ (وَاقْتَصَرَ) الْحِلُّ (فِيهَا) أَيْ الْأَمَةِ (عَلَى تَقَدُّمِهَا عَلَى الْحُرَّةِ لَا مُقَارِنَةً) لَهَا فِي الْعَقْدِ (وَمُتَأَخِّرَةً) عَنْهَا أَمَّا نَفْيُ حِلِّ تَأَخُّرِهَا عَنْهَا فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ بِالْبَعْضِ قَامَتْ بِالْجَمِيعِ وَأَمَّا نَفْيُ حِلِّ مُقَارَنَتِهَا لَهَا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَتُغَلَّبُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْحِلِّ (وَطَلْقَتَيْنِ) أَيْ وَاقْتَصَرَ مَا بِهِ يَفُوتُ حِلُّهَا وَهُوَ بَيْنُونَتُهَا الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ عَلَى تَطْلِيقِهَا ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا كَانَ حُرًّا (وَحَيْضَتَيْنِ عِدَّةً) أَيْ وَاقْتَصَرَ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى وُجُودِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حِلِّهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ نَاجِزًا أَوْ مُؤَجَّلًا بِغَيْرِ الْمَوْتِ مِنْ التَّرَبُّصِ الْمَشْرُوعِ لِتَعْظِيمِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْعِدَّةُ عَلَى وُجُودِ حَيْضَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ السَّبَبِ وَالْحُجَّةُ فِيهِمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

وَإِنَّمَا كَانَ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ (تَنْصِيفًا) لِلثَّابِتِ مِنْهُمَا لِلْحُرَّةِ وَهُوَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ إذْ كُلُّ مِنْ الطَّلْقَةِ وَالْحَيْضَةِ لَا تَتَنَصَّفُ فَتَكَامَلَ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الْوُجُودِ عَلَى الْعَدَمِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا فَعَلْت رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا فِي الْقَسْمِ) نَقَصَ حِلُّهَا حَتَّى اقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا لِلْحُرَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَذَهَبَ فِي أُخْرَى وَأَحْمَدُ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَالْحُجَّةُ لِلْأَوَّلِ مَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا نُكِحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ «أَنَّ الْحُرَّةَ إذَا أَقَامَتْ عَلَى ضَرَائِرَ فَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. (وَعَنْ تَنَصُّفِ النِّعْمَةِ) الَّتِي لِلْحُرِّ فِي حَقِّ الرَّقِيقِ (تَنَصَّفَ حَدُّهُ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ السَّابِقُ وَهَذَا فِيمَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَيَتَكَامَلُ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فِيهِ سَوَاءٌ (وَإِنَّمَا نَقَصَتْ دِيَتُهُ إذَا سَاوَتْ قِيمَتُهُ دِيَةَ الْحُرِّ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُؤَدَّى (ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ) أَيْ ضَمَانُ النَّفْسِ وَاجِبٌ (بِخَطَرِهَا) أَيْ بِسَبَبِ شَرَفِهَا (وَهُوَ) أَيْ خَطَرُهَا (بِالْمَالِكِيَّةِ لِلْمَالِ وَلِمِلْكِ النِّكَاحِ وَهَذَا) أَيْ مِلْكُ النِّكَاحِ (مُنْتَفٍ فِي الْمَرْأَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>