(كَانَتْ رِوَايَاتُهُ مُلْزِمَةً الْعَمَلَ لِلْخَلْقِ وَقُبِلَتْ فِي الْهَدَايَا وَغَيْرِهَا) مِنْ الدَّنَايَاتِ (وَالثَّانِيَةُ) أَيْ أَهْلِيَّتُهُ لِلذِّمَّةِ (بِأَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ) عَلَيْهِ (وَالِاسْتِيجَابُ) لَهُ (وَلِذَا) أَيْ لِتَأَهُّلِهِ لِلْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ (خُوطِبَ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى) وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (وَلَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ الْمَوْلَى عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ لَجَازَ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ (وَلَا يَمْلِكُ) الْمَوْلَى (أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَوْدَعَ عِنْدَ الْعَبْدِ) وَالْمُنَاسِبُ كَمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ غَيْرَهُ (وَصِحَّةُ إقْرَارِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ (لِمِلْكِ مَالِيَّتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (كَإِقْرَارِ الْوَارِثِ) عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالدَّيْنِ (فَهُوَ) أَيْ فَإِقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ (إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا حُجِرَ) الْعَبْدُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ (لِحَقِّ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ اسْتِيفَاءً وَهُمَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ رِضَاهُ فَإِذَا أَذِنَ فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ.
(فَإِذْنُهُ فَكَّ الْحَجْرَ) الثَّابِتَ بِالرِّقِّ (وَرَفْعُ الْمَانِعِ) مِنْ التَّصَرُّفِ حُكْمًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ لَهُ فِي كَسْبِهِ لَا إثْبَاتُ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لَهُ (كَالنِّكَاحِ) أَيْ كَمِلْكِهِ نِكَاحَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ (فَيَتَصَرَّفُ) بَعْدَ الْإِذْنِ (بِأَهْلِيَّتِهِ) كَالْكِتَابَةِ (لَا إنَابَةً) عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى تَكُونَ يَدُهُ فِي إكْسَابِهِ يَدَ نِيَابَةٍ عَنْهُ كَالْمُودِعِ (كَالشَّافِعِيِّ) أَيْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَكَانَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَسَبَبٌ لَهُ وَالسَّبَبُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لِحِكْمَةٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ التَّصَرُّفِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَذِنَ) الْمَوْلَى لَهُ (فِي نَوْعٍ) مِنْ التِّجَارَةِ (كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي كُلِّ أَنْوَاعِهَا (وَتَثْبُتُ يَدُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (عَلَى كَسْبِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا مَلَكَ) الْمَوْلَى (حَجْرَهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَا الْمُكَاتَبِ (لِأَنَّهُ) أَيْ فَكَّ الْحَجْرَ فِي الْمَأْذُونِ (بِلَا عِوَضٍ) فَلَا يَكُونُ لَازِمًا كَالْهِبَةِ (بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ) فَإِنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَكُونُ لَازِمَةً كَالْبَيْعِ ثُمَّ هَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ فَكِّ الْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَلَغَا التَّقْيِيدُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَخْتَصُّ بِمَا أَذِنَ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ صَارَ مُقْتَصِرًا عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ إذْنِ الْأَصِيلِ ثُمَّ لِلْمَشَايِخِ فِي ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي إكْسَابِهِ لِلْمَوْلَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُفِيدُ ثُبُوتَ مِلْكِ الْيَدِ لَهُ وَثُبُوتَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِمَوْلَاهُ ابْتِدَاءً ثَانِيهِمَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُفِيدُ ثُبُوتَ كِلَيْهِمَا لَهُ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ الْمَوْلَى مِلْكَ الرَّقَبَةِ خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا وَكَوْنُ الْمَوْلَى أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ.
وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى فِيمَا يَشْتَرِيهِ) الْعَبْدُ (وَيَصْطَادُهُ وَيَتَّهِبُهُ لِخِلَافَتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (عَنْهُ) أَيْ الْعَبْدِ (لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ) لِمِلْكِ رَقَبَةِ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ اصْطَادَهُ أَوْ اتَّهَبَهُ (كَالْوَارِثِ) مَعَ الْمَوْرُوثِ (وَكَوْنُ مِلْكِ التَّصَرُّفِ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مَمْنُوعٌ نَعَمْ هُوَ) أَيْ مِلْكُ الرَّقَبَةِ (وَسِيلَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مِلْكِ التَّصَرُّفِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مِلْكِهَا) أَيْ الرَّقَبَةِ (عَدَمُ الْمَقْصُودِ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ) لِمِلْكِ التَّصَرُّفِ (وَإِذْ كَانَتْ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (ذِمَّةٌ وَعِبَارَةٌ صَحَّ الْتِزَامُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (فِيهَا) أَيْ فِي الذِّمَّةِ (وَوَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (طَرِيقُ قَضَاءٍ) لِمَا الْتَزَمَهُ (دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ فِي الذِّمَّةِ بِلَا أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ وَأَدْنَاهُ) أَيْ طَرِيقِ الْقَضَاءِ (مِلْكُ الْيَدِ) فَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ لِلْعَبْدِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَلِذَا) أَيْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْيَدِ لِلْعَبْدِ وَكَوْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مُتَلَقًّى مِنْهُ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دَيْنُهُ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرِقِ لِمَالِهِ (بِمَنْعِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَسْبَهُ) لِشُغْلِهِ بِحَاجَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ (وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (فَعِنْدَهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لَا) يُقْتَلُ بِهِ قِصَاصًا (لِابْتِنَائِهِ) أَيْ الْقَتْلِ قِصَاصًا (عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْكَرَامَاتِ) ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ نَفْسٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْعَبْدُ نَفْسٌ وَمَالٌ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ ابْتِنَاءَ الْقِصَاصِ عَلَيْهَا (بَلْ) الْمَنَاطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ (فِي عِصْمَةِ الدَّمِ فَقَطْ لِلِاتِّفَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute