للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُقَلِّدِهِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ (فَلَيْسَ بِفِسْقٍ) إذْ لَوْ فَسَّقْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا لَفَسَّقْنَا بِارْتِكَابِ عَمَلٍ مُتَفَرِّعٍ عَلَى رَأْيٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ عَلَى الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعَ ظَنِّهِ وَعَلَى الْمُقَلِّدِ اتِّبَاعَ مُقَلَّدِهِ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ

(وَمِنْهَا رُجْحَانُ ضَبْطِهِ عَلَى غَفْلَتِهِ لِيَحْصُلَ الظَّنُّ) بِصِدْقِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَالْحُجَّةُ هِيَ الْكَلَامُ الصِّدْقُ (وَيُعْرَفُ) رُجْحَانُ ضَبْطِهِ (بِالشُّهْرَةِ وَبِمُوَافَقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ) أَيْ بِالضَّبْطِ فِي رِوَايَتِهِمْ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى (أَوْ غَلَبَتِهَا) أَيْ الْمُوَافَقَةِ (وَإِلَّا) إنْ لَمْ يَعْرِفْ رُجْحَانَ ضَبْطِهِ بِذَلِكَ (فَغَفْلَةٌ وَأَمَّا) ضَبْطُ الْمَرْوِيِّ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ الرَّاوِي (فَلِلْحَنَفِيَّةِ تَوَجُّهُهُ بِكُلِّيَّتِهِ إلَى كُلِّهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ ثُمَّ حِفْظُهُ بِتَكْرِيرِهِ ثُمَّ الثَّبَاتُ) عَلَيْهِ (إلَى أَدَائِهِ)

(وَمِنْهَا الْعَدَالَةُ حَالَ الْأَدَاءِ وَإِنْ تَحَمَّلَ فَاسِقًا إلَّا بِفِسْقٍ) تَعَمَّدَ (الْكَذِبَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ) كَأَبِي بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَالصَّيْرَفِيُّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يُوجِبُ مَنْعَ قَبُولِ رِوَايَتِهِ أَبَدًا وَكَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَهُوَ ثَابِتٌ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالِدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَيُرَاقُ دَمُهُ لَكِنْ ضَعَّفَهُ وَلَدُهُ وَعَدَّهُ مِنْ هَفَوَاتِهِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ (وَالْوَجْهُ الْجَوَازُ) لِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ (بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَبُولِ رِوَايَتِهِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَعَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ (مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى) أَيْ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١] (وَالْمُرُوءَةِ) بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهِيَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ الْأَدْنَاسِ وَمَا يَشِينُهَا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ أَنْ لَا يَأْتِيَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعِ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَالسُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْلِ (وَالشَّرْطُ) لِقَبُولِ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ (أَدْنَاهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ الصَّغَائِرَ قَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهَا إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَالْإِصْرَارُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ تَكْرَارًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ اهـ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ تَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ لِدُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَالْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ وَابْنُ شَاهِينَ فَلَعَلَّ ذِكْرَهُ مَخَافَةُ تَوَهُّمِ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَصِيرُ بِالْإِصْرَارِ كَبِيرَةً كَمَا أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَصِيرُ بِالْمُوَاظَبَةِ كُفْرًا وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الصَّغَائِرُ مُخْتَلِفَةُ النَّوْعِ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِهِ الْإِصْرَارُ عَلَى أَصْغَرِ الصَّغَائِرِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ) أَيْ وَتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَيْضًا (وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ الشِّرْكَ وَالْقَتْلَ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَةَ وَالزِّنَى وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَالسِّحْرَ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْإِلْحَادَ فِي الْحَرَمِ أَيْ الظُّلْمَ وَفِي بَعْضِهَا) أَيْ الطُّرُقِ (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَجْمُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً ثُمَّ قَوْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ وَقَعَ لَهُ مَجْمُوعُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى كَمَا هِيَ كَذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ وَفِي أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ لَكِنْ تَصَحَّفَ الرِّبَا بِالزِّنَى لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ بَيَانِهِ بَلْ إنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ وُجُودُ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ أَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا إنَّمَا هِيَ تِسْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ نَسَمَةٍ يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالْفِرَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>