للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا (وَلَوْ أَمْكَنَ) ثُبُوتُهُ عَنْهُمْ (اسْتَحَالَ نَقْلُهُ إلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ وَهُمْ) أَيْ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ (مِنْ بَعْدِهِمْ لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ) أَيْ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ كَمَا سَيَتَّضِحُ فَإِنَّ طَرِيقَ نَقْلِهِ إمَّا التَّوَاتُرُ أَوْ الْآحَادُ (وَ) اسْتَحَالَ (لُزُومُ التَّوَاتُرِ فِي الْمُبَلِّغِينَ) عَادَةً لِتَعَذُّرِ أَنْ يُشَاهِدَ أَهْلُ التَّوَاتُرِ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا وَيَسْمَعُوا مِنْهُمْ وَيَنْقُلُوا عَنْهُمْ إلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ هَكَذَا طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ إلَى أَنْ يَتَّصِلَ بِنَا، وَأَمَّا الْآحَادُ فَلَا يَصْلُحُ هُنَا (إذْ لَا يُفِيدُ الْآحَادُ) الْعِلْمَ بِوُقُوعِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ (وَالْعَادَةُ تُحِيلُهُ) أَيْ لُزُومَ التَّوَاتُرِ فِي الْمُبَلِّغِينَ كَمَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ عَادَةً بَعْدَ الْمُبَلِّغِينَ كَمَا ذَكَرْنَا (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُلِّ) أَيْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي نَفْسِهِ وَبِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عَنْ الْمُجْمِعِينَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِإِحَالَةِ الْعَادَةِ نَقَلَهُ إلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ بَعْدَهُمْ (مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى بِحُكْمٍ وَ) بَيْنَ (اشْتِهَاءِ طَعَامٍ) وَاحِدٍ وَأَكْلِهِ لِلْكُلِّ فَإِنَّ هَذَا لَا إجْمَاعَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الدَّوَاعِي لَهُ طَبْعًا وَمِزَاجًا وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلدَّلِيلِ فَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ أَوْ ظَاهِرٍ (وَمَا بَعْدُ) أَيْ وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ (تَشْكِيكٌ مَعَ الضَّرُورَةِ إذْ نَقْطَعُ بِإِجْمَاعِ كُلِّ عَصْرٍ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا (عَلَى تَقْدِيمِ) الدَّلِيلِ (الْقَاطِعِ عَلَى الْمَظْنُونِ) وَمَا ذَاكَ إلَّا بِثُبُوتِهِ عَنْهُمْ وَنَقْلِهِ إلَيْنَا وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّشْكِيكِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ (وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَحْمَدَ مَنْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (كَاذِبٌ عَلَى اسْتِبْعَادِ انْفِرَادِ اطِّلَاعِ نَاقِلِهِ) عَلَيْهِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا لَنَقَلَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا كَمَا يَشْهَدُ بِهِ لَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ لَعَلَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا وَلَكِنْ يَقُولُ لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا إنْكَارٌ لِتَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ هُوَ أَجَلُ أَنْ يَحُومَ حَوْلَهُ قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] فَهَذَا نَقْلٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ أَصْحَابُهُ إنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ قَالَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَالْأَصْفَهَانِيّ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.

أَمَّا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَحُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ لِكَوْنِ الْمُجْمِعِينَ ثَمَّةَ فِي قِلَّةٍ وَالْآنَ فِي كَثْرَةٍ وَانْتِشَارٍ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ لَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ إلَّا مَا يَجِدُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْهُمْ أَوْ بِنَقْلِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ إلَيْنَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَلَا وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ إنَّمَا قَالَهُ إنْكَارًا عَلَى فُقَهَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إجْمَاعَ النَّاسِ عَلَى مَا يَقُولُونَهُ وَكَانُوا مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَحْمَدُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ احْتِجَاجٌ بِإِجْمَاعٍ بَعْدَ التَّابِعِينَ أَوْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ انْتَهَى.

هَذَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَسَائِلَ الْإِجْمَاعِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ وَلِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ الْمَلَاحِدَةِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ كَثِيرُ الِاخْتِلَافِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا اخْتَلَفُوا فَنَقُولُ أَخْطَأْت بَلْ مَسَائِلُ الْإِجْمَاعِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ لَهَا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي يَقَعُ الِاتِّفَاقُ مِنْهَا وَعَلَيْهَا وَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْ مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ يَبْقَى قَدْرُ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَالْخِلَافِ، ثُمَّ فِي بَعْضِهَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ الْمُخَالِفِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ نَفْسِهِ وَفِي بَعْضٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَفِي بَعْضِهَا يُتَسَامَحُ فَلَا يَبْلُغُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الشُّبْهَةِ إلَى مِائَتَيْ مَسْأَلَةٍ (وَهُوَ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ) عِنْدَ الْأُمَّةِ (إلَّا) عِنْدَ (مَنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْخَوَارِجَ وَالشِّيعَةَ (مَعَ فِسْقِهِمْ) إنَّمَا وُجِدُوا (بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ) وَهَذَا مُتَوَارَثٌ الشَّكُّ فِيهِ كَالشَّكِّ فِي الضَّرُورِيَّاتِ، (وَقَطْعُ مِثْلِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِمِثْلِهِ (عَادَةً لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمْعِيٍّ قَاطِعٍ فِي ذَلِكَ) الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ الْقَاطِعَ لِظَنِّيٍّ بَعِيدٌ جِدًّا (فَيَثْبُتُ) الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ (بِهِ) أَيْ بِالسَّمْعِيِّ الْقَاطِعِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

فَإِنْ قِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>