للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ كَبَقَاءِ صَوْمِ) الصَّائِمِ (النَّاسِي) أَوْ الْآكِلِ أَوْ الشَّارِبِ فِي النَّهَارِ نِسْيَانًا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ النَّصِّ (مَعَ عَدَمِ الرُّكْنِ) وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ أَوْ بَقَاءِ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ (مَعْدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى عَدَمِ الرُّكْنِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ رُكْنِ الصَّوْمِ عَدَمُ بَقَاءِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ وَوُجُودِ مَا يُضَادُّهُ فِي مَحَلِّهِ سَوَاءً وُجِدَ الْمُضَادُّ نَاسِيًا أَوْ عَامِدً لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يَعْدِمُ الْفِعْلَ الْمَوْجُودَ وَلَا يُوجِدُ الْفِعْلَ الْمَعْدُومَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا فَثَبَتَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْمَوْجُودِ.

(فَإِنْ قِيلَ لَمَّا عَلَّلَ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ) فِي الْمَوَاقِعِ نَاسِيًا (لَزِمَ مُجِيزِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ تَعْلِيلَهُ) أَيْ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ (لِإِلْحَاقِ) الصَّائِمِ (الْمُخْطِئِ) أَيْ الْمُفْطِرِ خَطَأً كَأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ (وَالْمُكْرَهِ) عَلَى الْإِفْطَارِ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ (وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ) مَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ (بِعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ) عَلَى صَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهُمْ (كَالشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (اتَّفَقُوا عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِإِلْحَاقِهِمْ بِالنَّاسِي (فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ التَّخْصِيصَ لِلنَّاسِي ثَابِتٌ (بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ هِيَ قَطْعُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ) الْمُفْطِرِ (عَنْ الْمُكَلَّفِ مَعَ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْمُذَكِّرِ) لَهُ بِالصَّوْمِ إذْ لَا هَيْئَةَ لَهُ مُخَالِفَةً لِلْهَيْئَةِ الْعَادِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِ بِنِسْبَةِ ذَاكَ (إلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ «تِمِّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك» ) هَذَا لَفْظُ الْهِدَايَةِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْتُ نَاسِيًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتِمَّ صَوْمَك فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ «وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك» (لِأَنَّهُ) أَيْ قَطْعَ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (فَائِدَتُهُ) أَيْ قَوْلُهُ تِمَّ عَلَى صَوْمِك إلَخْ (وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ الْمُطْعِمُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ طَعِمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا.

وَكَيْفَ لَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» (وَقَطْعُهُ) أَيْ وَقَطْعُ الشَّارِعِ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (مَعَهُ) أَيْ النِّسْيَانِ (وَهُوَ) أَيْ النِّسْيَانُ (جِبِلِّيٌّ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِلَا مُذَكِّرٍ) وَهُوَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ غَالِبُ الْوُجُودِ وَخَبَرُ قَطْعِهِ (لَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ (فِيمَا هُوَ دُونَهُ) أَيْ النِّسْيَانِ (مَعَ مُذَكِّرٍ كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الْهَيْئَةَ الْعَادِيَةَ لِلْمُكَلَّفِ (فَفَسَدَتْ بِفِعْلِ مُفْسِدٍ سَاهِيًا وَمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ) أَوَّلًا يَسْتَلْزِمُ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ (كَالْخَطَأِ) لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذْرًا فِيمَا كَثُرَ وُجُودُهُ مِثْلَهُ فِيمَا لَمْ يَكْثُرْ وَلِأَنَّ فِي الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَعَ التَّذَكُّرِ لِلصَّوْمِ فِيهِ لَيْسَ إلَّا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي الِاحْتِرَاسِ فَيُنَاسِبُ الْفَسَادَ إذْ فِيهِ نَوْعُ إضَافَةٍ إلَيْهِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ الْخَطَأِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ (ثَبَتَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ) فِي الشَّرْعِ مُسْقِطًا لِلْمُجَازَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ (فِي خَطَأِ الْقَتْلِ فَأَوْجَبَ) الشَّارِعُ بِهِ (الدِّيَةَ) بَدَلَ الْمَحَلِّ (حَقًّا لِلْعَبْدِ مَعَ تَحَقُّقِ مَا عَيَّنَهُ) الشَّافِعِيُّ مِنْ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْجِنَايَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي النِّسْيَانِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ أَيْضًا.

(وَ) أَوْجَبَ (الْكَفَّارَةَ) فِيهِ أَيْضًا (لِتَقْصِيرِهِ) فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ فَكَذَا فِي الصَّوْمِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ ثُمَّ يُجْبَرُ بِالْقَضَاءِ (وَالْمُكْرَهُ أَمْكَنَهُ الِالْتِجَاءُ وَالْهَرَبُ وَلَوْ عَجَزَ) عَنْهُمَا (وَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ) لِفِعْلِهِ عَنْهُ (صَارَتْ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى أَعْنِي الْمُكْرَهَ كَفِعْلِ الصَّبِّ) فِي حَلْقِ النَّائِمِ (نُسِبَ إلَى الْعَبْدِ لَا إلَيْهِ تَعَالَى حَتَّى أَثَّمَهُ) أَيْ أَثَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّابَّ (فَانْتَفَتْ الْعِلَّةُ) الْمُعَلَّلُ بِهَا دَلِيلُ التَّخْصِيصِ فِي الْمُكْرَهِ وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَلَا يُقَالُ الْوِقَاعُ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِلْعِلْمِ بِتَسَاوِي الْكُلِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوِقَاعِ فِي أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَفِّ عَنْهَا وَإِنَّ تَسَاوِي الْمُتَسَاوِيَاتِ إذَا ثَبَتَ لِأَحَدِهَا حُكْمٌ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِلْبَاقِي ضَرُورَةَ الْمُسَاوَاةِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً مَعَ كَوْنِهَا مُتَسَاوِيَةً فَكَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَكْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>