أَيْ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ إلَى آخِرِهَا وَعَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ إلَى آخِرِهَا (ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ إثْبَاتَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ لِحُكْمِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ هُنَا (إثْبَاتُهَا) أَيْ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ (كَوْنُهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (قَطْعِيًّا بَلْ يَكْفِي ظَنُّهُ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ) وَقَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِقَادُ لَا يَكْفِي فِيهِ النَّظَرُ (وَكَوْنُ الظَّنِّ يَضْعُفُ بِكَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاضْمِحْلَالَ) أَيْ بُطْلَانَ الظَّنِّ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِلْقِيَاسِ (بَلْ هُوَ) أَيْ كَثْرَةُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَظْنُونَةِ (انْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ فِي الشَّرْعِ) وَانْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ يُوجِبُ قُوَّةً فِي الْمُوجِبِ.
(وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ (ثَابِتًا بِالْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَالْحَنَفِيَّةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ (وَبِالنَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) الْعِرَاقِيِّينَ وَالدَّبُوسِيِّ وَالْبَزْدَوِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافٌ (لَفْظِيٌّ فَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (الْبَاعِثَةَ عَلَيْهِ) أَيْ شَرْعِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (وَ) مُرَادُ (الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ (الْمُعَرِّفَ) لِلْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ (وَلَا يَتَأَكَّدُ فِي ذَلِكَ) أَيْ كِلَا الْمُرَادَيْنِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُمَا (وَكَيْفَ) يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا الْمُثْبِتَةُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَقَدْ تَكُونُ ظَنِّيَّةً) بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ إنَّمَا يُفِيدُ ظَنَّهَا (وَحُكْمُ الْأَصْلِ قَطْعِيٌّ) لِثُبُوتِهِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ فَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُثْبِتَةُ لَهُ كَانَ الظَّنِّيُّ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ وَلَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ لَا نُفَسِّرُ الْعِلَّةَ بِالْبَاعِثِ أَبَدًا أَوْ شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يُفَسِّرُهَا وَإِنَّمَا يُفَسِّرُهَا بِالْمُعَرِّفِ وَإِنْ ادَّعَى قَائِلٌ ذَلِكَ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا فَرْعًا لِلْأَصْلِ أَصْلًا لِلْمُفَرِّعِ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الدَّوْرِ فَإِنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ النَّصِّ فَلَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لَهُ وَهِيَ إنَّمَا عُرِفَتْ بِهِ جَاءَ الدَّوْرُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا إلَّا أَنَّهَا تُنَصَّبُ أَمَارَةً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُجْتَهِدُ عَلَى وُجْدَانِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي حَقِّ الْعَارِفِ
كَالْغَيْمِ الرَّطْبِ أَمَارَةً عَلَى الْمَطَرِ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ فَإِذَا عَرَفَ النَّاظِرُ مَثَلًا أَنَّ الْإِسْكَارَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ فَهُوَ حَيْثُ وَجَدَهُ قَضَى بِالتَّحْرِيمِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْعَالِمَ يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ الْإِسْكَارِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى النَّصِّ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِسْكَارُ مُعَرَّفًا بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ مُعَرَّفًا فَقَدْ يَعْرِفُ بَعْضُ الْعَوَامّ عِلِّيَّةَ الْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ وَلَا يَدْرِي هَلْ الْخَمْرُ هُوَ الْمَنْصُوصُ أَوْ النَّبِيذُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ فَإِذَا وَجَدَ الْخَمْرَ قَضَى فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ مُسْتَنِدًا إلَى وُجْدَانِ الْعِلَّةِ مُسْتَفِيدًا ذَلِكَ مِنْهَا فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تَعْرِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِهَا وَقَدْ تَجْتَمِعُ فِي التَّعْرِيفِ هِيَ وَالنَّصُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُ اجْتِمَاعَ مُعَرِّفَيْنِ وَإِذَا تَمَهَّدَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا وَأَنَّ نِسْبَتَهُمَا إلَى الْعِلَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ سَبَقَ لَهُمْ مَعْرِفَةُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْعِلَّةِ فَلَمْ تُعَرِّفْهُمْ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ الْمُعَرِّفُ يُعَرِّفُ كُلَّ أَحَدٍ بَلْ إنَّمَا يُعَرِّفُ مَنْ لَيْسَ بِعَارِفٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَتَخَلُّفُ التَّعْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَارِفِ لَا يُخْرِجُ الْأَمَارَةَ عَنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً.
وَكَذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ يَعْرِفُ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْعِلَّةِ دُونَ بَعْضِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يَعْرِفُونَ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْمُفْتِي وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعِلَّةَ أَصْلًا فَكَمْ مِنْ عَامِّيٍّ يَعْرِفُ مِنْ الْمُفْتِينَ أَنَّ الزَّبِيبَ رِبَوِيٌّ وَلَا يَدْرِي الْعِلَّةَ فَلَاحَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَيْسَ الدَّوْرُ بِلَازِمٍ ثُمَّ كَمَا أَنَّ النَّصَّ عَرَّفَنَا الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ عَرَّفَنَا أَنَّ الْعِلَّةَ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ أَيْضًا.
وَالْفَرْعُ وَالْأَصْلُ جَمِيعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَمَّى أَصْلًا وُرُودُهُ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ فَإِنْ قُلْت هَلْ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ قُلْت لَا بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَائِدُ أَدْنَاهَا التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ فَمَنَعُوهُ لِأَنَّ عِرْفَانَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَاقِعٌ فَلَا تُجْدِي هِيَ شَيْئًا وَنَحْنُ نُجَوِّزُهُ وَنَذْكُرُ مِنْ فَوَائِدِهَا تَعْرِيفَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ أَيْضًا وَمِنْهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِلَا مُثْبِتٍ لِأَنَّ مُثْبِتَهُ الْعِلَّةُ أَوْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدًا ثُمَّ انْقَلَبَ الْمَعْنَى وَهَذَا لَا يُضِيرُ فَإِنَّ الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ثَانِيًا فَقَدْ صَلَحَ أَوَّلًا فَإِنْ قُلْت قَدْ يَفْعَلُ الشَّارِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute