هُوَ الْأَصْلُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَالثَّانِي) أَيْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ مَعَ ثُبُوتِ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ ثَابِتٌ (فِي حَمْلِ الْحَضَرِ حَالَةَ الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ) أَيْ فِي قِيَاسِ الْحَضَرِ حَالَةَ الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي حُكْمٍ هُوَ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَكْتُوبَتَيْنِ بِوَصْفِ عُذْرِ الْمَطَرِ (وَجِنْسِهِ) أَيْ عُذْرِ الْمَطَرِ (الْحَرَجُ) أَيْ الضِّيقُ يُؤَثِّرُ (فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ) فِي الْحَضَرِ (بِالنَّصِّ عَلَى اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْحَرَجُ (فِي عَيْنِ الْجَمْعِ) فِي السَّفَرِ إذْ الْحَرَجُ جِنْسٌ يَجْمَعُ الْحَاصِلَ بِالسَّفَرِ وَهُوَ خَوْفُ الضَّلَالِ وَالِانْقِطَاعِ وَبِالْمَطَرِ وَهُوَ التَّأَذِّي بِهِ ثُمَّ كَانَ مُرَادُهُمْ بِالنَّصِّ عَلَى اعْتِبَارِ جِنْسِهِ مَا تُعْطِيه قُوَّةً سِيَاقُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (أَمَّا حَرَجُ السَّفَرِ فَبِالثُّبُوتِ مَعَهُ فَقَطْ) أَيْ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَيْنُ حَرَجِ السَّفَرِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بِمُجَرَّدِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ إذْ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى عِلَّةِ نَفْسِ حَرَجِ السَّفَرِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
قُلْت وَيَطْرُقُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُضَافَ هُوَ مَحَلُّ النَّصِّ) أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ هُوَ الْمُضَافُ إلَى السَّفَرِ يَعْنِي حَرَجَ السَّفَرِ وَلِذَا نِيطَ بِعَيْنِ السَّفَرِ (فَلَا يَتَعَدَّى) حُكْمُ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَحَلَّ جُزْءٌ مِنْ الْمُعْتَبَرِ فِي حُكْمِهِ (لَا) أَنَّ مَحَلَّ النَّصِّ هُوَ الْحَرَجُ (الْمُطْلَقُ) عَنْ الْإِضَافَةِ (وَإِلَّا تَعَدَّى) هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْجَمْعِ (إلَى ذِي الصَّنْعَةِ الشَّاقَّةِ لِوُجُودِ الْحَرَجِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِنَاطَةِ بِالسَّفَرِ) بَلْ كَانَ يُضَافُ إلَى الْجُرْحِ مُطْلَقًا (إذْ لَا خَفَاءَ فِي) الْجُرْحِ (الْمُطْلَقِ) وَلَا فِي انْضِبَاطِهِ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَرَجٌ (كَالْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ) وَالْإِنَاطَةُ بِالسَّفَرِ لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَا هُوَ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ إنَّمَا أُنِيطَ بِالْحَرَجِ الْمُضَافِ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْحَضَرِ فِي الْمَطَرِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلْمُلَائِمِ الَّذِي اُعْتُبِرَ صِحَّةُ جِنْسِ الْوَصْفِ فِيهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ (وَأَيْضًا فَذَلِكَ) أَيْ دَلَالَةُ ثُبُوتِ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ عَلَى صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْعَيْنِ الْمَوْجُودَةِ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلَّيْنِ) الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَالصِّغَرِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ (وَلَيْسَ الْمَطَرُ) الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ هُنَا (فِي الْأَصْلِ) الَّذِي هُوَ السَّفَرُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْعِ فَقَطْ وَهُوَ الْحَضَرُ فَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ جِنْسِيَّةِ الْحَرَجِ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ عَلَيْهِ الْمَطَرُ لِجَوَازِ الْجَمْعِ.
قُلْت عَلَى أَنَّ هَذَا مِثَالٌ تَقْدِيرِيٌّ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِلَا عُذْرٍ فِي الْحَضَرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ عَادَةً وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا ابْنُ سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ خِلَافًا لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ تَمَسُّكًا بِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَلِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي التَّمْثِيلِ الثَّانِي (كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَضْمَضَةِ الْمُومَأِ إلَيْهَا فِي عَدَمِ إفْسَادِهَا الصَّوْمَ) فِي حَدِيثِ «عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ هَشَشْتُ فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ ثُمَّ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ مَضْمَضْت بِالْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ قَالَ فَمَهْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ النَّوَوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. .
وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحُ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ سَعِيدٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَأَشَارَ الْبَزَّارُ إلَى أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ وَاسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ شَيْخُنَا الْحَافِظِ
وَمَعْنَى فَمَهْ أَيْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ الْمَضْمَضَةُ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْإِفْسَادِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ وَلَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ (وَهُوَ) أَيْ جِنْسُهُ (عَدَمُ دُخُولِ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ) فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ) أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ (الْعِلَّةُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ بَلْ الِانْتِفَاءُ) لِلْإِفْسَادِ (لِانْتِفَاءِ ضِدِّ الرُّكْنِ) لِلصَّوْمِ وَهُوَ أَعْنِي ضِدَّهُ دُخُولُ شَيْءِ إلَى الْجَوْفِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا (مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ اعْتِبَارِ عَيْنِ الْوَصْفِ وَهُوَ عَدَمُ دُخُولِ شَيْءٍ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute