للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ فِي إطْلَاقِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا التَّقْسِيمِ وَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ مِثَالِهِمْ لَهُ وَهُوَ مِلْكُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لِلْعِتْقِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ مُؤَثِّرٌ فِي الْعِتْقِ أَمَّا الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالرِّقُّ يُوجِبُ الْمَذَلَّةَ وَإِذَا صِينَتْ عَنْ أَدْنَى الرِّقَّيْنِ وَهُوَ النِّكَاحُ احْتِرَازًا عَنْ الْقَطْعِ فَلَأَنْ تُصَانَ عَنْ أَعْلَاهُمَا أَوْلَى.

وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَيَفُوتُ الْعِتْقُ بِفَوَاتِ كِلَيْهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الْمِلْكُ عَنْ الْقَرَابَةِ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ بَلْ إلَى الْمَجْمُوعِ لَمَا كَانَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا وَلَمَا وَقَعَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ وَرِثَا عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ اشْتَرَيَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَصِيرُ مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْقَرَابَةِ وَإِلَّا لَمَا غَرِمَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ كَمَا لَوْ وَرِثَا قَرِيبَ أَحَدِهِمَا نَعَمْ إذَا قِيلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْحُكْمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ اسْمًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لَمْ يُوضَعْ فِي الشَّرْعِ لِلْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمَوْضُوعُ لَهُ مِلْكُ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ الْمُحَرَّمِ لَكِنَّ فِي وُجُوبِهِ نَظَرًا لِجَعْلِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ عِلَّةً اسْمًا لِلْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ إلَّا لِلْبِرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَالِفًا ثُمَّ قَدْ أَوْرَدَ عَلَى إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الشَّاهِدِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَضْمَنَ كُلَّ الْمُتْلَفِ إذَا رَجَعَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَعْمَلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِالْمَجْمُوعِ فَيَضْمَنُ الرَّاجِعُ أَيًّا كَانَ نِصْفَ الْمُتْلَفِ ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى الْعِلَّةِ إذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ وَصْفَيْنِ أَوْ أَوْصَافٍ هَلْ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً أَوْ صِفَةُ الِاجْتِمَاعِ أَوْ وَصْفٌ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ الِاجْتِمَاعُ فَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلَ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ فَسَفِينَةٌ لَا تَغْرَقُ بِوَضْعِ كُرٍّ فِيهَا وَتَغْرَقُ إذَا زِيدَ عَلَيْهِ قَفِيزٌ فَوَضَعَهُمَا إنْسَانٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِيهَا فَغَرِقَتْ وَتَلِفَ مَا فِيهَا فَعِنْدَ الْأَوَّلِينَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِمَا وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي إلَى صِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ إلَى قَفِيزٍ مِنْهَا غَيْرِ عَيْنٍ وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ أَنْ يُلْقِيَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْكُلُّ لَا يَتَحَقَّقُ التَّلَفُ.

وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ مِنْ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْكُلِّ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا طَرَحَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا أَوْ كَانَ مَأْذُونًا مِنْ صَاحِبِهَا بِطَرْحِ الْكُرِّ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِوَضْعِ مُتْلِفٍ وَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ مِنْ اثْنَيْنِ.

فَإِنْ طَرَحَا مَعًا فَعَلَيْهِمَا أَوْ مُتَعَاقِبًا فَعَلَى الْأَخِيرِ مِنْهُمَا عِنْدَنَا وَعَلَيْهِمَا عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّ التَّلَفَ حَقِيقَةً حَصَلَ بِالْكُلِّ أَوْ تَزَايُدِ غَيْرِ عَيْنٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعَاقُبِ وَالْقِرَانِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا التَّلَفُ حَقِيقَةً وَإِنْ حَصَلَ كَمَا قَالَ فَالْأَوْصَافُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا تَنْعَقِدُ عِلَّةُ التَّلَفِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْأَخِيرِ فَصَارَ هُوَ الْمُحَصِّلَ لِوَصْفِ الِاجْتِمَاعِ وَالْمُتْلِفُ هُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ أَوْ لِأَنَّ بِالْأَخِيرِ يَصِيرُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَلَمْ يَعْمَلْ فِي التَّلَفِ فَصَارَ هُوَ الْجَاعِلَ إيَّاهُ عِلَّةً وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا إلَى نَفْسِهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ مُلَخَّصٌ فِي الْمِيزَانِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَجْمُوعِ قَوْلُ زُفَرَ وَإِلَى الْأَخِيرِ قَوْلُ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَإِلَى عِلَّةٍ اسْمًا وَحُكْمًا كُلُّ مَظِنَّةٍ) لِلْمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ (أُقِيمَتْ مُقَامَ حَقِيقَةِ الْمُؤَثِّرِ) لِخَفَائِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ أَوْ احْتِيَاطًا (كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِلتَّرَخُّصِ) بِرُخْصِهِمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِلَّةٌ لَهُ اسْمًا لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الرُّخْصُ يُضَافُ إلَيْهِمَا فَيُقَالُ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَرُخْصَةُ الْمَرَضِ وَحُكْمًا لِأَنَّ الرُّخْصَ يَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِهَا (لَا مَعْنًى لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ) فِي تَرَخُّصِهِمَا هُوَ (الْمَشَقَّةُ) لَا نَفْسُ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لَكِنَّهُمَا أُقِيمَا مُقَامَهَا لِخَفَائِهَا وَلِكَوْنِهِمَا سَبَبَهَا إقَامَةً لِسَبَبِ الشَّيْءِ مَقَامَ الشَّيْءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ جَوَازَ التَّرَخُّصِ لِلْمُسَافِرِ مَنُوطٌ بِمُطْلَقِهِ لِعَدَمِ تَنَوُّعِهِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ وَإِنْ كَانَ فِي رَفَاهِيَةٍ لَا يَخْلُو عَنْ مَشَقَّةٍ عَادَةً وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ هُوَ قَطْعُ مَسَافَاتٍ وَفِيهِ مَسَافَاتٌ لَا فِي الْمَرَضِ لِتَنَوُّعِهِ إلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ وَهُوَ الْمُنَاطُ بِهِ رُخْصَةُ الْإِفْطَارِ وَإِلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَنُوطَةٍ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>