هَذَا كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ عَلَى سَوَاءٍ وَقَدْ تَرَجَّحَ كُلٌّ بِدَلِيلِهِ فَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِعِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُلِّ) أَيْ الْقَطْعِ بِالْمَنْصُوصَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَلْفُوظَةُ السَّمْعِيَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهَا ظَنِّيَّةً أَوْ إسْنَادُهَا ظَنِّيًّا وَانْتِفَاءُ احْتِمَالِ غَيْرِهَا لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْبَوَاعِثِ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِمَصَالِحَ مُتَعَدِّدَةٍ وَدَافِعًا لِمَفَاسِدَ مُخْتَلِفَةٍ.
وَقَالَ (الْإِمَامُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ) التَّعَدُّدُ (شَرْعًا وَقَعَ عَادَةً وَلَوْ) كَانَ الْوُقُوعُ (نَادِرًا) لِأَنَّ النَّادِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَلَمْ يَقَعْ (وَالثَّابِتُ بِأَسْبَابِ الْحَدَثِ مُتَعَدِّدٌ كَمَا تَقَدَّمَ) حَتَّى قِيلَ إذَا نَوَى رَفْعَ أَحَدِ أَحْدَاثِهِ لَمْ يَرْفَعْ الْآخَرُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ الْوُقُوفِ بَلْ مَا ذَكَرَ) مِنْ أَسْبَابِ الْحَدَثِ وَالْقَتْلِ يُفِيدُ الْوُقُوعَ (وَكَوْنُ الثَّابِتِ بِكُلٍّ) مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الثَّابِتِ (بِالْآخَرِ إنْ أَثْبَتَهُ) أَيْ كَوْنَ غَيْرِهِ (بِالِانْفِكَاكِ نَفْيًا) أَيْ بِأَنْ يَنْتَفِيَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ (فَتَقَدَّمَ اقْتِصَارُهُ) فِي الْقَتْلِ لِتَحَقُّقِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْأَحْكَامِ (وَانْتِفَاؤُهُ) أَيْ الِانْفِكَاكِ (فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ) وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ صَحَّ وُضُوءُهُ (وَتَجْوِيزُهُ) أَيْ تَعَدُّدِ الْحُكْمِ لِتَعَدُّدِ الْعِلَلِ (لَا يَكْفِيهِ) أَيْ الْإِمَامَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمُثَبِّتِ لَهُ (لِأَنَّهُ مُسْتَدِلٌّ) لَا مُعْتَرِضٌ (ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُعَدِّدُونَ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ (أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ يَثْبُتُ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالْوَصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي هِيَ الْعِلَلُ إذَا اجْتَمَعَتْ (فِي التَّرَتُّبِ) أَيْ إذَا وُجِدَتْ مُتَرَتِّبَةً (وَفِي الْمَعِيَّةِ) اخْتَلَفُوا (قِيلَ بِالْمَجْمُوعِ) مِنْهَا (فَكُلٌّ) مِنْهَا (جُزْءٌ) مِنْ الْعِلَّةِ.
(وَقِيلَ) الْعِلَّةُ (وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا وَالْمُخْتَارُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ (بِكُلٍّ) مِنْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً (لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ كُلٍّ مِنْهَا عِلَّةً (لَوْ امْتَنَعَ كَانَ) الِامْتِنَاعُ (لِاجْتِمَاعِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ) وَاحِدٍ (وَهُوَ) أَيْ وَاجْتِمَاعُهَا عَلَيْهِ (حَقٌّ اتِّفَاقًا) فَلَا امْتِنَاعَ وَقَالَ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ (الْمَجْمُوعُ لَوْ اسْتَقَلَّ) كُلٌّ مِنْهَا (فِي الْمَعِيَّةِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ) إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا (بِلُزُومِ الثُّبُوتِ بِكُلٍّ وَ) بِلُزُومِ (عَدَمِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمَرَّ جَوَابُهُ) وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ لَهَا كَوْنُهَا بِحَيْثُ إذَا انْفَرَدَتْ يَثْبُتُ عِنْدَهَا الْحُكْمُ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ (وَ) لَزِمَ (التَّحَكُّمُ) إنْ ثَبَتَ بِوَاحِدٍ فَقَطْ (قُلْنَا) إنَّمَا يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ (وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ) الْحُكْمُ (بِكُلٍّ) مِنْهَا أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِكُلٍّ مِنْهَا (كَالشَّاهِدِ فِي) الْأَدِلَّةِ (السَّمْعِيَّةِ عَلَى حُكْمٍ) فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَقَالَ (غَيْرُ الْمُعَيِّنِ) أَيْ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَعِيَّةِ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ (لَوْلَاهُ) أَيْ أَنَّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ (لَزِمَ التَّحَكُّمُ فِي التَّعْيِينِ) أَيْ فِي كَوْنِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَ) لَزِمَ (خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا جُزْءَ الْعِلَّةِ حَتَّى كَانَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْعِلَّةُ (لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ لِكُلٍّ) مِنْهَا وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا.
(الْجَوَابُ اخْتِيَارٌ ثَالِثٌ كَمَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ أَنَّهُ بِكُلٍّ وَلَا يُنَافِي الِاسْتِقْلَالَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلًّا أَمَارَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِهِ فَلَا مَانِعَ كَمَا فِي السَّمْعِيَّةِ وَأَنَّهُ حَيْثِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ وَاجْتِمَاعُهَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَلَنَا فِي عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ ثُبُوتُ أَحْكَامٍ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ (تَعَدُّدُ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ) أَيْ مَحْضُ التَّعْرِيفِ لِلْحُكْمِ (كَالْغُرُوبِ لِجَوَازِ الْإِفْطَارِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ) ثَابِتٌ (بِلَا خِلَافٍ وَتَسْمِيَةُ هَذَا) الْمُعَرَّفِ (عِلَّةً اصْطِلَاحٌ وَبِمَعْنَى الْبَاعِثِ فِي الْمُخْتَارِ لَا بُعْدَ فِي مُنَاسَبَةِ وَصْفٍ لِحُكْمَيْنِ كَالزِّنَا لِلْحُرْمَةِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ قَوْلُهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِهَذَا (فِيهِ) أَيْ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ) الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْحُكْمِ الَّذِي بُعِثَتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ (بِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْوَصْفِ) الْوَاحِدِ (مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ) الْمَصْلَحَةُ (الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِهِمَا) أَيْ بِالْحُكْمَيْنِ أَمَّا إذَا حَصَلَ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِالْحُكْمَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ.
وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ إنْ لَمْ يَتَضَادَّا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَتَأَخَّرَ) الْعِلَّةُ (عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَإِلَّا) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ (ثَبَتَ) حُكْمُ الْأَصْلِ (بِلَا بَاعِثٍ) وَهُوَ مُحَالٌ (وَأَيْضًا) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ (يَثْبُتُ بِذَلِكَ) أَيْ تَأَخُّرِهَا عَنْهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (لَمْ يُشْرَعْ لَهَا) أَيْ لِلْعِلَّةِ (وَمِثْلُ) هَذَا كَمَا فِي حَاشِيَةِ التَّفْتَازَانِيِّ (بِتَعْلِيلِ نَجَاسَةِ مُصَابِ عَرَقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute