للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَا انْقِطَاعَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مُخَيَّلًا أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْته وَأَبْطَلْته اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا لِغَيْرِهِ.

فَإِنْ كَانَ نَاظِرًا بِنَفْسِهِ يَرْجِعُ فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ إلَى ظَنِّهِ فَيَأْخُذَ بِهِ وَلَا يُكَابِرَ نَفْسَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْحَصْرِ وَالْإِبْطَالِ قَطْعِيًّا فَهَذَا الْمَسْلَكُ قَطْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا فَهُوَ ظَنِّيٌّ ثُمَّ حُكِيَ فِي الظَّنِّيِّ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ وَالْمُنَاظِرِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّيِّ وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ ثَانِيهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا لِجَوَازِ بُطْلَانِ الْبَاقِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ثَالِثُهَا حُجَّةٌ لَهُمَا إنْ أُجْمِعَ عَلَى تَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ حَذَرًا مِنْ أَدَاءِ بُطْلَانِ الْبَاقِي إلَى خَطَأِ الْمُجْمِعِينَ وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَابِعُهَا حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ لَا الْمُنَاظِرِ لِأَنَّ ظَنَّهُ لَا يَقُومُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ ثُمَّ إذْ لَا بُدَّ لِلْمَحْذُوفِ مِنْ طَرِيقٍ يُفِيدُ عَدَمَ عِلِّيَّتِهِ وَقَدْ نُوِّعَ إلَى أَرْبَعَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَطُرُقُ الْحَذْفِ بَيَانُ إلْغَائِهِ) أَيْ الْمَحْذُوفِ (بِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْبَاقِي فَقَطْ فِي مَحَلٍّ) آخَرَ (فَلَزِمَ) مِنْ هَذَا (اسْتِقْلَالُهُ) أَيْ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ مَعَهُ (وَعَدَمُ جُزْئِيَّةِ الْمُلْغِي) لِلْعِلِّيَّةِ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ فِيهَا لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِإِلْغَاءِ الْمَحْذُوفِ هَذَا بَلْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَنْتَفِ الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَحْذُوفِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَلَا يَكُونُ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً (فَهُوَ) أَيْ الْإِلْغَاءُ حِينَئِذٍ (الْعَكْسُ) وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ عِلِّيَّةِ الْمَحْذُوفِ بِالْإِلْغَاءِ وَهُوَ نَفْيُهَا بِنَفْيِ عَكْسِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ.

(غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ الْمَحَلَّ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالْمُسْتَبْقَى لَا غَيْرُ (أَصْلٌ آخَرَ) لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ غَيْرِهِمَا وَحِينَئِذٍ (فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ الْآخَرِ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّهُ (يُسْقِطُ مُؤْنَةَ الْحَذْفِ) أَيْ الْإِلْغَاءِ اللَّازِمَةِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَبِيحٌ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ وَهَذَا بَحْثٌ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى رِبَوِيَّةِ الذُّرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ عِلَّةُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ أَمَّا الطَّعْمُ أَوْ الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ وَالْقُوتُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَلَا قُوتَ فَيَقُولَ الْمُعْتَرِضُ فَقِسْ عَلَى الْمِلْحِ ابْتِدَاءً تَسْتَغْنِ عَنْ ذِكْرِ الْبُرِّ وَإِبْطَالُ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْقُوتِ فِيهِ (وَبَعُدَ أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ (مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ) لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا تَفَاوُتٍ قَدْ لَا يَسْتَمِرُّ سُقُوطُ الْمُؤْنَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ إذْ (قَدْ تَكُونُ أَوْصَافُهُ) أَيْ الْأَصْلِ الْآخَرِ كَالْمِلْحِ (أَكْثَرَ) مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ كَالْبُرِّ فَيُحْتَاجُ فِي إبْطَالِ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ مِنْهَا بِطَرِيقَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبُرِّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ (وَكَوْنِهِ) بِالْجَرِّ أَيْ وَيَكُونُ الْوَصْفُ الْمَحْذُوفُ طَرْدِيًّا أَعْنِي (مِمَّا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْإِرْثِ وَالْعِتْقِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ حُكْمٌ أَصْلًا.

وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ (أَوْ) كَوْنِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ مِمَّا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ (فِي ذَلِكَ) الْحُكْمِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِ (كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ) فَإِنَّ الشَّارِعَ وَإِنْ اعْتَبَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِمَامَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَالْإِرْثِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَلْغَاهُ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ مِنْ السِّرَايَةِ وَوُجُوبِ السِّعَايَةِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ (وَأَنْ لَا يَظْهَرَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ (مُنَاسَبَةٌ) بَيْنَ الْمَحْذُوفِ وَذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهَا (وَيَكْفِي) لِلْمُسْتَدِلِّ الْمُنَاظِرِ أَنْ يَقُولَ (بَحَثْت) عَنْ مُنَاسَبَةِ الْمَحْذُوفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ (فَلَمْ أَجِدْهَا) وَيُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّهُ عَدْلٌ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ يُخْبِرُ عَمَّا لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا خَبَرُهُ لِأَنَّ وِجْدَانَهُ لَهُ وِجْدَانِيٌّ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَّا نَفْسُهُ وَعَدَمُ الْوِجْدَانِ دَالٌّ عَلَى عَدَمِهِ ظَنًّا أَوْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَلَزِمَ حَذْفُهُ مِنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ.

(فَإِنْ قَالَ) الْمُعْتَرِضُ (الْبَاقِي كَذَلِكَ) أَيْ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنِّي بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنَاسَبَةً (تَعَارَضَا) أَيْ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ وَوَصْفُ الْمُعْتَرِضِ إذْ الْحُكْمُ بِعِلِّيَّةِ الْمُسْتَبْقَى وَعَدَمِ عِلِّيَّةِ الْمَحْذُوفِ بِحُكْمٍ بَاطِلٌ حِينَئِذٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>