النَّصَّ يُوجِبُ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ الْقِيَامُ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَكُلَّمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَجِبْ أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعَدَمُ وَمُوجِبُ النَّصِّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالَيْنِ أَمَّا حَالُ عَدَمِ الْحَدَثِ فَإِنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقِيَامُ مَعَ عَدَمِ الْحَدَثِ يَجِبُ الْوُضُوءُ وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَالِ عَدَمِ الْحَدَثِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْحَدَثِ إذَا قَامَ إلَيْهَا.
وَأَمَّا حَالُ وُجُودِ الْحَدَثِ فَلِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَقُمْ إلَيْهَا أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَلِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَدْلُولُ النَّصِّ.
وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ جُعِلَ هَذَا الْحُكْمُ حُكْمَ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا تَعْبِيرًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُسْتَنِدِ إلَى النَّصِّ عَنْ مُطْلَقِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَمُقْتَضَى النَّصِّ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ الْحَدَثِ (كَمَا) مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَائِمِ إلَيْهَا (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْحَدَثِ (وَالْقَضَاءُ غَضْبَانَ بِلَا شَغْلِ بَالٍ) بِأَنْ لَا يَكُونَ غَضَبًا شَدِيدًا (جَائِزٌ وَالنَّصُّ) أَيْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» الْمُفِيدُ حُرْمَةُ الْقَضَاءِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ (قَائِمٌ) لِوُجُودِ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقَضَاؤُهُ غَيْرَ غَضْبَانَ لَكِنْ مَشْغُولَ الْقَلْبِ بِنَحْوِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ مُفْرِطَيْنِ أَوْ وَجَعٍ شَدِيدٍ أَوْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ حَرَامٌ وَالنَّصُّ قَائِمٌ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ إبَاحَةُ الْقَضَاءِ إمَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْقَضَاءِ وَيُجْعَلُ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا وَقَدْ أَجْحَفَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الِاخْتِصَارِ هُنَا لِعَدَمِ إفَادَةِ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَلَا دَلِيلَ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الشَّارِطِ هَذَا الشَّرْطَ (غَيْرَ الْوُجُودِ) فِي هَذَيْنِ (وَمَنَعَ) الْوُجُودَ فِيهِمَا (بِأَنَّ مُرَادَهُ) تَعَالَى وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ (وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ) كَمَا هُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَدَلِهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ نَصٌّ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ بِسَبَبِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ كَانَ وَاجِبًا ابْتِدَاءً بِسَبَبٍ آخَرَ فَكَانَ النَّصُّ مُقَيَّدًا بِالْحَدَثِ وَمُفِيدًا وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِشَرْطِ وُجُودِ الْحَدَثِ بَلْ وَدَافِعًا كَوْنَ عِلَّةِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ الْحَدَثَ فَلَمْ يُوجَدْ قِيَامُ النَّصِّ بِدُونِ الْحُكْمِ حَالَ عَدَمِ الْوَصْفِ.
(وَ) بِأَنَّ (الشُّغْلَ) لِلْقَلْبِ (لَازِمٌ) لِلْغَضَبِ فَلَا يُوجَدَ الْغَضَبُ بِدُونِهِ وَإِنْ قَلَّ الْغَضَبُ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ فَرَاغُ الْقَلْبِ مَا دَامَ غَضْبَانَ فَلَمْ يُوجَدْ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَقِيَامِ النَّصِّ (فَالنَّصُّ عَلَى ظَاهِرِهِ) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّصِّ حِلَّ الْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَضَبِ أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلنَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ.
وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَثْبُتَ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَهُمْ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ شُغْلِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ الْغَضَبِ أَيْضًا فَثَبَتَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ النَّصُّ حِينَئِذٍ دَالًّا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ أَيْضًا وَالْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِنَصٍّ شَرْعِيٍّ فَذَلِكَ النَّصُّ وَالنُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ لَيْسَتْ النَّصَّ الْمُحَرِّمَ لِلْقَضَاءِ غَضْبَانَ وَلَا مُصَحِّحَ لِجَعْلِ الْإِبَاحَةِ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا فَلَيْسَ النَّصُّ الْمُحَرِّمُ لِلْقَضَاءِ غَضْبَانَ فِي حَالِ عَدَمِ الْغَضَبِ قَائِمًا إذْ لَيْسَ مَعْنَى قِيَامِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَ النَّصُّ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لَا قِيَامَهُ فِي الْوَاقِعِ فَبَطَلَ دَعْوَى قِيَامِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ (النَّافُونَ) لِكَوْنِ الدَّوَرَانِ مَسْلَكًا صَحِيحًا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (قَالُوا تَحَقَّقَ انْتِفَاؤُهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (مَعَ وُجُودِهِ) أَيْ الدَّوَرَانِ (فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ) كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا تَحَقَّقَ الْآخَرُ وَكُلَّمَا انْتَفَى انْتَفَى وَلَا عِلِّيَّةَ وَلَا مُعْلَوْلِيَةَ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ (وَ) فِي (غَيْرِهِمَا) أَيْ الْمُتَضَايِفَيْنِ (كَالْحُرْمَةِ مَعَ رَائِحَةِ الْمُسْكِرِ) الْمَخْصُوصَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ فَإِنَّهَا تُوجَدُ مَعَهَا وَتَزُولُ بِزَوَالِهَا (وَلَيْسَتْ) الرَّائِحَةُ (الْعِلَّةَ) لِلْحُرْمَةِ (وَلَوْ انْتَفَتْ إلَى نَفْيِ غَيْرِهِ) أَيْ الْمَدَارِ (بِالْأَصْلِ) بِأَنْ قِيلَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْغَيْرِ (أَوْ السَّبْرِ خَرَجَ) كَوْنُ الْمَدَارِ عِلَّةً (عَنْهُ) أَيْ عَنْ ثُبُوتِهِ بِالدَّوَرَانِ.
(وَيُدْفَعُ) هَذَا الدَّلِيلُ (بِأَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ (فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute