الْحَنَفِيَّةِ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ (أَنْ لَا تَعْلِيلَ بِالْعَدَمِ وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ قِيَاسُ عِلَلٍ فِيهِ بِهِ) أَيْ بِالْعَدَمِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيلُ الطَّهَارَةِ بِعَدَمِ مُخَالَطَةِ اللُّعَابِ النَّجِسِ (قُلْنَا تَقَدَّمَ) ثَمَّةَ (اسْتِثْنَاءُ عِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ) لِحُكْمٍ (فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِ حُكْمِهَا لَا) أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالَ (تَعْلِيلٌ حَقِيقِيٌّ) وَهَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ عِلَّةَ نَجَاسَةِ سُؤْرِهَا مُخَالَطَةُ لُعَابِهَا النَّجِسِ لِلْمَاءِ فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِهَا (وَمَثَّلُوا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَانِيَاهُمَا) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَهُمَا الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ فَسَادُهُ، الْخَفِيُّ صِحَّتُهُ وَالِاسْتِحْسَانُ الظَّاهِرُ صِحَّتُهُ، الْخَفِيُّ فَسَادُهُ (بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الصَّلَاةِ الْقِيَاسُ) أَنَّهُ يَجُوزُ (أَنْ يَرْكَعَ بِهَا) فِي الصَّلَاةِ نَاوِيهَا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ غَيْرَ رُكُوعِ الصَّلَاةِ أَوْ رُكُوعَهَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا (لِظُهُورِ أَنَّ إيجَابَهَا) أَيْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ (لِإِظْهَارِ التَّعْظِيمِ) لِلَّهِ تَعَالَى بِالْخُضُوعِ لَهُ مُوَافَقَةً لِمَنْ عَظَّمَ وَمُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ (وَهُوَ) أَيْ إظْهَارُ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ مَوْجُودٌ (فِي الرُّكُوعِ) أَيْضًا (وَلِذَا) أَيْ وُجُودِ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ فِي الرُّكُوعِ (أَطْلَقَ عَلَيْهَا) أَيْ السَّجْدَةِ (اسْمَهُ) أَيْ اسْمَ الرُّكُوعِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: ٢٤] أَيْ سَقَطَ سَاجِدًا لِأَنَّ الْخُرُورَ السُّقُوطُ عَلَى الْوَجْهِ فَجَازَ إسْقَاطُهَا عَنْهُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى سُقُوطِهَا عَنْهُ بِهَا نَفْسِهَا بِجَامِعِ الْخُضُوعِ تَعْظِيمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْظِيمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَا فِي حُصُولِ التَّعْظِيمِ بِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا.
نَعَمْ السُّجُودُ بِهَا أَفْضَلُ كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطْلَقًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْوَاجِبِ وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: ٣٧] بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَأَمَّا بِالرُّكُوعِ فَبِمَعْنَاهُ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ النُّكْتَةُ (صِحَّتُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (الْخَفِيَّةُ وَفَسَادُهُ) أَيْ ضَعْفُهُ (الظَّاهِرُ لُزُومُ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ) وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: ٣٧] (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الرُّكُوعُ (وَ) لُزُومُ (الْعَمَلِ بِالْمَجَازِ) وَهُوَ الرُّكُوعُ (مَعَ إمْكَانِهِ) أَيْ الْعَمَلِ (بِالْحَقِيقَةِ) وَهُوَ السُّجُودُ (وَالِاسْتِحْسَانُ لَا) يَجُوزُ أَنْ يَرْكَعَ بِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ رُكُوعُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (عَنْهُ) أَيْ سُجُودِهَا مَعَ قُرْبِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ فَلَأَنْ لَا يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْلَى وَعَلَى عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَخُصُوصًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ رُكُوعَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ خَارِجُهَا غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لِجِهَةٍ أُخْرَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى (صِحَّتُهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسِ (الظَّاهِرَةِ لِوَجْهِ فَسَادِ ذَلِكَ) الْقِيَاسِ (مِنْ تَأَدِّي إلَخْ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِهِ وَالْعَمَلِ بِالْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهِ بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّ وَجْهَ فَسَادِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ هُوَ هَذَا (وَفَسَادُ الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ هَذَا الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِحْسَانَ (قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَهُوَ) أَيْ الْفَارِقُ (أَنَّ فِي الصَّلَاةِ كُلًّا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَطْلُوبٌ بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ) عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: ٧٧] {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا السُّجُودِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَمَنْعُ) كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (تَأَدَّى أَحَدُهُمَا فِي ضِمْنِ الْآخَرِ) أَيْ بِالْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجَمْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ (بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ طُلِبَتْ وَحْدَهَا وَعُقِلَ أَنَّهُ) أَيْ طَلَبُهَا (لِذَلِكَ الْإِظْهَارِ) لِلتَّعْظِيمِ (وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ) عَنْ السُّجُودِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي مَوَاضِعِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
(وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ إظْهَارِ التَّعْظِيمِ وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ (حَاصِلٌ بِمَا اُعْتُبِرَ عِبَادَةً) وَهُوَ الرُّكُوعُ.
(غَيْرَ أَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعْرَفْ عِبَادَةً فَتَعَيَّنَ) أَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ لِحُصُولِ مَعْنَى التَّوَاضُعِ تَعْظِيمًا وَالْعِبَادَةِ فِيهِ (فَتَرَجَّحَ الْقِيَاسُ) بِسَبَبِ قُوَّةِ أَثَرِهِ الْبَاطِنِ الْمُتَضَمِّنِ فَسَادَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الْأَثَرِ الْبَاطِنِ (وَنُظِرَ فِي أَنَّ ذَلِكَ) الْقِيَاسَ (ظَاهِرٌ وَهَذَا) الْقِيَاسُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ (خَفِيٌّ وَهُوَ) أَيْ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى (ظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ شَرْعًا بِغَيْرِهِ أَقْوَى تَبَادُرًا مِنْ جَوَازِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute