للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَعْوَةُ الْخَلْقِ إلَيْهِ وَهُدَاهُمْ وَإِرْشَادُهُمْ.

فَإِنْ حَصَلَ فَهُوَ الْغَايَةُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ حَسْمُ الْفَسَادِ بِإِرَاقَةِ دَمِ مَنْ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهِ فَإِرَاقَةُ دَمِ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي بَقَائِهِ لَا لِقَصْدٍ فِي الْإِزْهَاقِ فَإِذَا زَاحَمَهُ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَكَانَ وَلِيُّ الدَّمِ لَا قَصْدَ لَهُ إلَّا التَّشَفِّيَ بِاسْتِيفَاءِ ثَأْرِ مُوَلِّيهِ سَلَّمْنَاهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ الْمَقْصِدَانِ جَمِيعًا لِتَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ الْمُفْسِدِينَ بِإِرَاقَةِ دَمِ هَذَا الْكَافِرِ وَبِتَشَفِّي وَلِيِّ الدَّمِ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَقْصِدُ وَلِيِّ الدَّمِ بِالْأَصَالَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لَيْسَ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ بَلْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.

وَأَمَّا مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَحْضُ حَقِّ الْآدَمِيِّ إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الدَّمِ كَمَا قِيلَ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَحْضَةِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِاسْتِدْعَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ كَانَ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ انْتَهَى فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ نَعَمْ الْغَالِبُ فِي الْقِصَاصِ حَقُّ الْعَبْدِ.

وَأَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ كَمَا سَلَفَ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ الْحَنَفِيَّةِ لِمُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِحِفْظِ الْمَالِ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَقْدِيمِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ (إذْ لَهُ) أَيْ لِتَرْكِهِمَا (خَلَفٌ) يُجْبَرَانِ بِهِ وَهُوَ الظُّهْرُ وَالِانْفِرَادُ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ فَاتَ فِيهَا صِفَتُهَا الَّتِي هِيَ الْجَمَاعَةُ وَالْفَائِتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَائِتٍ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّرْكِ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَنْ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِسَرِقَةِ دِرْهَمٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إلَى خَلَفٍ مِنْ إعَادَةٍ أَوْ قَضَاءٍ لَا إلَى تَرْكٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) تَرْجِيحُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ (بِتَرْجِيحِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَلَى دَلِيلِ حُكْمِ) الْأَصْلِ (الْآخَرِ) كَكَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِ أَحَدِهِمَا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُحْكَمًا أَوْ حَقِيقَةً أَوْ صَرِيحًا أَوْ عِبَارَةً بِخِلَافِ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَلِلنُّصُوصِ بِالذَّاتِ) لَا لِلْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ (وَتَرَكْنَا أَشْيَاءَ مُتَبَادِرَةً) مِنْ تَرَاجِيحِ الْأَقْيِسَةِ الْمُتَعَارِضَةِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهَا لِلْمُتْقِنِ مَا سَبَقَ مِنْ الْمَبَاحِثِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا عِلَّتُهُ مُنْضَبِطَةٌ وَعِلَّةُ الْآخَرِ مُضْطَرِبَةٌ أَوْ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ لِلْحِكْمَةِ فَكُلَّمَا وُجِدَتْ وُجِدَتْ الْحِكْمَةُ وَكُلَّمَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ الْحِكْمَةُ وَعِلَّةُ الْآخَرِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمُثَارُهَا زِيَادَةُ غَلَبَةِ الظَّنِّ (وَتَتَعَارَضُ الْمُرَجِّحَاتِ) لِلْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ كَمَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتَعَارِضَاتِ (فَيَحْتَمِلُ) التَّرْجِيحُ (الِاجْتِهَادَ كَالْمُلَائِمَةِ وَالْبَسِيطَةِ) .

قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ بِعِلَّةٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهَا بِالْمُلَائِمَةِ تُرَجَّحُ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ مَثَلًا فَلَوْ كَانَتْ الْمُلَائِمَةُ مُرَكَّبَةً وَالْمُطَّرِدَةُ الْمُنْعَكِسَةُ بَسِيطَةً تَعَارَضَ مُرَجِّحَانِ وَاحْتَمَلَ التَّرْجِيحُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ (وَعَادَةُ الْحَنَفِيَّةِ ذِكْرُ أَرْبَعَةٍ) مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْقِيَاسِ (قُوَّةُ الْأَثَرِ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةُ الْأُصُولِ وَالْعَكْسُ فَأَمَّا قُوَّةُ الْأَثَرِ) أَيْ التَّأْثِيرِ فَلِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ صَارَ الْوَصْفُ حُجَّةً فَمَهْمَا قَوِيَ قَوِيَتْ لِأَنَّ قُوَّةَ الْمُسَبِّبِ يُسَبِّبُ قُوَّةَ سَبَبِهِ فَإِذَا قَوِيَ أَثَرُ وَصْفٍ عَلَى أَثَرِ وَصْفٍ آخَرَ زَادَتْ قُوَّتُهُ عَلَى قُوَّتِهِ فَتَرَجَّحَتْ حُجَّتُهُ عَلَى حُجَّتِهِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُرَجَّحَةٌ فَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِهِ وَسَقَطَ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ (مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَإِذَا تَعَارَضَا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَثَرُ وَصْفِهِ أَقْوَى قُدِّمَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَمِنْهُ) أَيْ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ (فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ) لِلْحُرِّ (مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) أَيْ قُدْرَتِهِ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَالْأَصْلُ الطَّوْلُ عَلَى الْحُرَّةِ أَيْ الْفَضْلُ فَاتَّسَعَ فِيهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ ثُمَّ أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إلَى الْمَفْعُولِ فَقُلْنَا يَجُوزُ لَهُ إذْ (يَمْلِكُهُ) أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ (الْعَبْدُ) مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي نِكَاحِ مَنْ شَاءَ مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَيَدْفَعَ لَهُ مَهْرًا يَصْلُحُ لَهُمَا (فَكَذَا الْحُرُّ) يَمْلِكُهُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ الَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ إجْمَاعًا فَإِنَّ قِيَاسَنَا (أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ بِجَامِعِ إرْقَاقِ مَائِهِ مَعَ غُنْيَتِهِ) عَنْ إرْقَاقِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَصْفًا بَيِّنَ الْأَثَرِ فِي الْمَنْعِ إذْ الْإِرْقَاقُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمًا فَكَمَا يَحْرُمُ قَتْلُ وَلَدِهِ شَرْعًا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إرْقَاقُهُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>