للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي نَحْوِ الضَّارِبِ جِسْمٌ فَلَمْ يَكُنْ جُزْءًا، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ كَالْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا دَلِيلٌ ذُكِرَ عَلَى لُزُومِ إبْهَامِ الذَّاتِ فِي الْمُشْتَقِّ الصِّفَةِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا الضَّارِبُ جِسْمٌ مُفِيدٌ فَلَوْ كَانَ الْجِسْمُ مُعْتَبَرًا جُزْءًا مِنْ الضَّارِبِ لَمْ يُفِدْ لِاسْتِفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ ضَارِبٍ كَمَا لَمْ يُفِدْ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ لِاعْتِبَارِ الْحَيَوَانِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلِقَائِلٍ مَنْعَ الْفَرْقِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْهُ) أَيْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَسْتَدِلَّ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْ ضَارِبٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ بِاسْتِقْلَالِهِ كَمَا يُفْهَمُ الْحَيَوَانُ مِنْ إنْسَانٍ اسْتِقْلَالًا ثُمَّ إنْ لَمْ يُفِدْ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ كَذَلِكَ الضَّارِبُ جِسْمٌ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ إبْهَامُ الذَّاتِ ثُمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَلِيلٍ اقْتَرَحَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَوْجَهُ صِحَّةُ الْحَمْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى) أَيْ وَالدَّلِيلُ الْأَوْجَهُ لِإِبْهَامِ الذَّاتِ فِي مَفْهُومِ الْوَصْفِ أَنَّ الْوَصْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ حَقِيقَةً عَلَى الْجِسْمِ كَزَيْدٍ مَلِيحٌ، وَعَلَى الْمَعْنَى كَالْعِلْمِ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ فَلَوْ أَفَادَتْ الصُّورَةُ مَادَّةً خَاصَّةً بِالْجَوْهَرِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى أَوْ مَادَّةٍ خَاصَّةٍ بِالْعَرْضِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْعَيْنِ.

وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ لِكُلِّ وَصْفٍ جُزْئِيٍّ وَضْعٌ بَلْ الْوَضْعُ كُلِّيٌّ وَاحِدٌ لِكُلِّ وَصْفٍ فَظَهَرَ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَعْتَمِدُ ذَاتًا أَيْ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّرْكِيبِ (وَغَيْرِ صِفَةِ خِلَافِهِ) أَيْ مَعْنَى الصِّفَةِ، وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعَيَّنٍ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مِنْهُ أَسْمَاءَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. (تَتْمِيمٌ) ثُمَّ الْمُشْتَقُّ قَدْ يَطَّرِدُ كَأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَأَسْمَاءِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ، وَقَدْ لَا يَطَّرِدُ كَالْقَارُورَةِ الدُّبْرَانِ وَالْعَيُّوقِ وَالسِّمَاكِ، وَالْمَنَاطُ فِيهِمَا أَنَّ وُجُودَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي مَحَلِّ التَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ إنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَجُزْءٌ مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَا بِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ لِمَعْنَى الْأَصْلِ إلَيْهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ ذَاتٍ كَذَلِكَ أَيْ لِمَعْنَى الْأَصْلِ مَعَهَا تِلْكَ النِّسْبَةُ، اللَّهُمَّ إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا فِي الْفَاضِلِ فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلتَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ مُرَجِّحٌ لَهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ مِنْ غَيْرِ دُخُولِ الْمَعْنَى فِي التَّسْمِيَةِ وَكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَخْصُوصَةً فِيهَا الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي تِلْكَ الذَّاتِ بَلْ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الذَّوَاتِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُسَمَّاهُ تِلْكَ الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ السَّكَّاكِيُّ حَيْثُ قَالَ، وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَ تَسْمِيَةِ إنْسَانٍ لَهُ حُمْرَةٌ بِأَحْمَرَ وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِأَحْمَرَ فَتَزِلَّ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى فِي التَّمْسِيَةِ لِتَرْجِيحِ الِاسْمِ عَلَى غَيْرِهِ حَالَ تَخْصِيصِهِ بِالْمُسَمَّى وَاعْتِبَارِهِ فِي الْوَصْفِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لِهَذَا نَفْعٌ فِي بَابِ الْقِيَاسِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى بَصِيرَةٍ

(مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ) وَصْفٌ مِنْ مَصْدَرٍ (وَالْمَعْنَى) الَّذِي لِلْمَصْدَرِ (قَائِمٌ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ (وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: مَعْنَى كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا خَلْقُهُ) الْكَلَامَ اللَّفْظِيَّ (فِي الْجِسْمِ) كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالشَّجَرَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا مُوسَى (وَأَلْزَمُوا) عَلَى هَذَا (جَوَازَ) إطْلَاقِ (الْمُتَحَرِّكِ وَالْأَبْيَضِ) مَثَلًا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لِخَلْقِهِ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ فِي مَحَالِّهَا لَكِنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ إطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَعَالَى قَطْعًا (وَدُفِعَ عَنْهُمْ) هَذَا الْإِلْزَامُ (بِالْفَرْقِ) بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَمَا أَلْزَمُوا بِهِ (بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْمُتَكَلَّمُ لَهُ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ صِفَةً لَهُ - تَعَالَى - قَطْعًا (وَامْتَنَعَ قِيَامُهُ) أَيْ الْكَلَامِ (بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ الْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ لَا الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ، وَهِيَ حَادِثَةٌ فَلَا تَكُونُ قَائِمَةً بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا (فَلَزِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ (فِي حَقِّهِ خَالِقُهُ) أَيْ الْكَلَامِ فِي الْجِسْمِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَحَرِّكُ وَالْأَبْيَضُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَهَذَا الدَّفْعُ مَذْكُورٌ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ (وَلَيْسَ) هَذَا الدَّفْعُ (بِشَيْءٍ) يُعْتَدُّ بِهِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ (لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>