فِي الْحُكْمِ اللُّغَوِيِّ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَفْصِيلٌ (بَيْنَ مَنْ يَمْتَنِعُ الْقِيَامُ بِهِ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا (فَيَجُوزُ) أَنْ يُطْلَقَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ وَمَعْنَاهُ قَائِمٌ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ بَيْنَ مَنْ لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الْوَصْفِ بِهِ (فَلَا) يَجُوزُ إطْلَاقُ الْوَصْفِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (بَلْ لَوْ امْتَنَعَ) قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِشَيْءٍ (لَمْ يُصَغْ لَهُ) أَيْ امْتَنَعَ صَوْغُ الْوَصْفِ لَهُ لُغَةً (أَصْلًا) لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُجْرَى عَلَى شَيْءٍ وَصْفٌ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِأَمْرٍ مِنْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُمْتَنَعِ اتِّصَافُهُ بِهَا (فَحَيْثُ صِيغَ) لَهُ - تَعَالَى - وَصْفٌ مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ مَوْضُوعٌ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ مَعْنَى هَذَا الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ (لَزِمَ قِيَامُهُ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْكَلَامِ (بِهِ تَعَالَى) لَا أَنَّهُ - تَعَالَى - يُوصَفُ بِهَا وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَتُجَابُ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَا مُلْجِئَ إلَى هَذَا الْمُحْتَمَلِ الْمُمْتَنِعِ فَإِنَّ الْكَلَامَ يُطْلَقُ حَقِيقَةً وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي حَقِّهِ - سُبْحَانَهُ - عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ - تَعَالَى - مُنَافِيَةٌ لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ ثُمَّ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ اسْتِبْعَادًا أَنْ يُنَازِعَ هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءُ فِي هَذَا الْأَصْلِ اللُّغَوِيِّ بِحَذَافِيرِهِ، وَإِشَارَةً إلَى تَجْوِيزِ أَخْذِ خِلَافِهِمْ فِيهِ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَلَامِيَّةِ، وَفِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ مَا يُعَضِّدُ كِلَيْهِمَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (فَلَوْ ادَّعَوْهُ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ إطْلَاقَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ - تَعَالَى، وَالْمَعْنَى غَيْرُ قَائِمٍ بِهِ (مَجَازًا) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَالِقُهُ فَيَكُونُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِاسْمِ الْمُتَعَلَّقِ لِامْتِنَاعِ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ (ارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ) لِمُوَافَقَتِهِمْ حِينَئِذٍ الْعَامَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ وَصْفٌ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِادِّعَاءُ (أَقْرَبُ) مِنْ إثْبَاتِ خِلَافِهِمْ لِبُعْدِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ الْعَارِفِينَ بِالْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ (نَقَلُوا اسْتِدْلَالَهُمْ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا نُسِبَ إلَيْهِمْ مِنْ تَجْوِيزِ أَنْ يُشْتَقَّ لِشَيْءٍ وَصْفٌ وَالْمَعْنَى بِغَيْرِهِ (بِإِطْلَاقِ ضَارِبٍ حَقِيقَةً) عَلَى مُسَمًّى (وَهُوَ) أَيْ الضَّرْبُ قَائِمٌ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ مِنْهُمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ (وَأُجِيبَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ) أَيْ الضَّرْبُ (التَّأْثِيرُ، وَهُوَ) أَيْ التَّأْثِيرُ قَائِمٌ (بِهِ) أَيْ بِالضَّارِبِ لَا التَّأْثِيرُ الْقَائِمُ بِالْمَضْرُوبِ وَهُوَ أَثَرُ الضَّرْبِ وَأَوْرَدَ لَوْ كَانَ التَّأْثِيرُ غَيْرَ الْأَثَرِ لَكَانَ أَثَرًا أَيْضًا لِصُدُورِهِ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَفْتَقِرُ إلَى تَأْثِيرٍ آخَرَ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَيْهِ وَيَتَسَلْسَلُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَثَرِ فَهُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لِكَوْنِهِ نِسْبَةً فَلَا يَسْتَدْعِي تَأْثِيرًا آخَرَ فَلَا يَتَسَلْسَلُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسَلْسُلِ فَهُوَ فِي الِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ فِيهَا لَيْسَ بِمُحَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ الِاعْتِبَارِ، فَإِنْ قِيلَ: التَّأْثِيرُ لَيْسَ بِأَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ لِتَحَقُّقِهِ، فَرَضَهُ فَارِضٌ أَوْ لَا؛ إذْ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَمَا وُجِدَ الْأَثَرُ، وَلَيْسَ غَيْرُ التَّأْثِيرِ لِمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ فِي غَيْرِ التَّأْثِيرِ مُغَايِرٌ لِلْأَثَرِ الَّذِي هُوَ تَأْثِيرٌ فِيهِ وَأَمَّا التَّأْثِيرُ فِي التَّأْثِيرِ فَهُوَ نَفْسُهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْثِيرٍ مُغَايِرٍ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَنَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ اسْتِدْلَالَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَبِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (ثَبَتَ الْخَالِقُ لَهُ) أَيْ اللَّهُ - تَعَالَى (بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ وَهُوَ) أَيْ الْخَلْقُ (الْمَخْلُوقُ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: ١١] وَالْمَخْلُوقُ لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِهِ (لَا) أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ (التَّأْثِيرُ وَإِلَّا قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ قَدُمَ) أَيْ وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ هُوَ التَّأْثِيرَ قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ كَانَ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا إمَّا؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ.
وَالتَّأْثِيرُ فُرِضَ قَدِيمًا فَالْأَثَرُ وَهُوَ الْعَالَمُ كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْأَثَرِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِمَا فِي الْأَزَلِ وُجُودُ الْعَالَمِ، وَإِمَّا لِأَنَّ التَّأْثِيرَ نِسْبَةٌ، وَالنِّسْبَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُنْتَسِبِينَ وَهُمَا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ فَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً مَعَ أَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْمَخْلُوقِ لَكَانَ الْمَخْلُوقُ قَدِيمًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَإِلَّا تَسَلْسَلَ) أَيْ وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَادِثٌ مُحْتَاجٌ إلَى خَلْقٍ آخَرَ أَيْ تَأْثِيرٍ آخَرَ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَأْثِيرِ مُؤَثِّرٍ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ التَّأْثِيرِ وَيَتَسَلْسَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute