للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بَيِّنَةٍ إلَى أُخْرَى

لِإِثْبَاتِ حُقُوقِ النَّاسِ

وَهُوَ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ صِيَانَةً لَهَا فَكَذَا هَذَا (فَالِانْقِطَاعُ) لِلسَّائِلِ أَوْ الْمُعَلِّلِ إنَّمَا يَكُونُ (بِدَلِيلِهِ) أَيْ الْعَجْزِ عَنْ تَحْقِيقِ مَطْلُوبِهِ (سُكُوتٌ) كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ اللَّعِينِ بِقَوْلِهِ {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: ٢٥٨] قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الِانْقِطَاعِ (أَوْ إنْكَارٌ ضَرُورِيٌّ) أَيْ مَعْلُومٌ ضَرَرُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ دَفْعِ حُجَّةِ الْخَصْمِ (أَوْ مَنْعٌ بَعْدَ تَسْلِيمٍ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ إلَّا عَجْزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ وَفِي الْكَشْفِ وَلَا يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ عَنْ سَهْوٍ أَوْ عَنْ غَفْلَةٍ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُبَيِّنُ وَجْهَ الدَّفْعِ بِطَرِيقِ التَّسْلِيمِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ اسْتِدْرَاكَ مَا سَهَا فِيهِ فَأَمَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمَنْعِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعَجْزِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُعَلِّلُ وَالسَّائِلُ وَبَقِيَ رَابِعٌ يَخُصُّ الْمُعَلِّلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِعُ السَّالِفُ.

(وَفِي) انْتِقَالِ الْمُعَلِّلِ مِنْ (مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ إلَى مَا لَا يُنَاسِبُ الْمَطْلُوبَ أَصْلًا دَفْعًا لِظُهُورِ إفْحَامِهِ انْقِطَاعٌ فَاحِشٌ) لِلْمُعَلِّلِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا انْتِقَالُ السَّائِلِ مِنْ دَفْعٍ إلَى آخَرَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِكَلَامِ الْمُجِيبِ فَمَا دَامَ فِي الْمُعَارَضَةِ بِدَفْعٍ يَصْلُحُ اعْتِرَاضًا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمِيزَانِ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْأُولَى مِثَالُهُ (لِلْحَنَفِيَّةِ فِي إثْبَاتِ أَنَّ إيدَاعَ الصَّبِيِّ) غَيْرِ الْمَأْذُونِ مَا لَيْسَ بِرَقِيقٍ (تَسْلِيطٌ) لِلصَّبِيِّ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ (عِنْدَ تَعْلِيلِهِ) أَيْ الْحَنَفِيِّ (بِهِ) أَيْ بِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ (لِنَفْيِ ضَمَانِهِ) إذَا أَتْلَفَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَعَ التَّسْلِيطِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا أَبَاحَ لَهُ طَعَامًا فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ الصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ إيدَاعُهُ تَسْلِيطًا عِلَّةً لِلْقِيَاسِ فَإِذَا مَنَعَهُ الْخَصْمُ فَانْتَقَلَ الْمُعَلِّلِ إلَى إثْبَاتِ كَوْنِهِ تَسْلِيطًا بِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى مَا يَنَالُ بِالْأَيْدِي وَقَدْ وُجِدَ هُنَا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي إثْبَاتِهَا.

(وَالثَّانِي) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ يَثْبُتُ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ مِثَالُهُ (لَهُمْ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فِي جَوَازِ إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) بِالْإِقَالَةِ وَبِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ (فَلَا يُمْنَعُ التَّكْفِيرُ بِمَنْ تَعَلَّقَتْ) الْكِتَابَةُ (بِهِ) فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَمَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَالْإِجَارَةِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا لِبَائِعِ عَبْدِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ وَمُؤَجِّرِهِ إعْتَاقُهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَكَوْنُهَا عَقْدًا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ أَنَا أَقُولُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ عِنْدِي (بَلْ الْمَنْعُ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (مِنْ نُقْصَانِ الرِّقِّ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلْمُكَاتَبِ مُسْتَحَقٌّ بِهِ فَصَارَ (كَأُمِّ الْوَلَدِ) أَيْ كَاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِالْوِلَادَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ وَأَوْلَادِهِ دُونَهَا (فَيُجَابُ بِإِثْبَاتِ عَدَمِ نُقْصَانِهِ) أَيْ الرِّقِّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ حُكْمٌ آخَرُ (بِالْأُولَى) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَيُقَالُ (احْتِمَالُ الْفَسْخِ) لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ (دَلِيلُ عَدَمِ إيجَابِهِ) أَيْ عَقْدِهَا (نُقْصَانَهُ) أَيْ رِقِّهِ (لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ) أَيْ نُقْصَانُ رِقِّهِ (لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) بِوَجْهٍ (إذْ هُوَ) أَيْ نُقْصَانُ الرِّقِّ (بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهٍ) وَكَمَا أَنَّ ثُبُوتَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَذَا ثُبُوتُهَا مِنْ وَجْهٍ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ كَوْنِ قَبُولِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ انْتِقَالٌ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ وَهُوَ عَدَمُ مَنْعِهِ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ إيجَابِهِ نَقْصًا فِي الرِّقِّ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى وَهِيَ قَبُولُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ ثُمَّ مِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ تَمَكُّنَ نُقْصَانٍ فِي رِقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَكَذَا هَذَا الشَّرْطُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَبِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى.

(وَالثَّالِثُ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>