للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا كَانَ عِبَادَةً لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا (فَيَسْتَوِي عَمَلُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ فِيهَا كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَمَا اسْتَوَى عَمَلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ (فَتَلْزَمُ) الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ (بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الشُّرُوعُ مَعَ النَّذْرِ فِي الْإِيجَابِ بِمَنْزِلَةِ تَوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ النَّاذِرَ عَهِدَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَالشَّارِعُ عَزَمَ عَلَى الْإِبْقَاءِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ صِيَانَةً لِمَا أَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَحَيْثُ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ إجْمَاعًا وَجَبَتْ بِالشُّرُوعِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَيُسَمَّى هَذَا قَلْبُ التَّسْوِيَةِ (وَسَمَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَكْسًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ عَكْسُ خُصُوصِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (عَدَمُ اللُّزُومِ بِالنَّذْرِ وَلِشُرُوعٍ فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْعِبَادَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ لُزُومُهَا بِهِمَا.

(وَهَذَا) النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ هُوَ (الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ أَوَّلُ الْقِيَاسِ مُسَمًّى بِقِيَاسِ الْعَكْسِ) وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ (وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِاعْتِرَاضٍ) هُوَ رَدُّ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ سُنَنِ الْأَصْلِ (وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ فَقِيلَ نَعَمْ) يُقْبَلُ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (إذْ جَعَلَ) الْمُعْتَرِضُ (وَصْفَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (شَاهِدًا لِمَا يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ مَطْلُوبِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِنَقِيضِ مَطْلُوبِ الْمُسْتَدِلِّ (الِاسْتِوَاءُ) لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ الشُّرُوعُ وَالنَّذْرُ لَوْ ثَبَتَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الشُّرُوعِ مُلْزِمًا كَالنَّذْرِ وَهُوَ خِلَافُ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَالْخَبَّازِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ أَنَّهُ (لَا) يُقْبَلُ (لِأَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ يُوجِبُ شَبَهًا فِي شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الشَّبَهِ) بَيْنَ الْمُتَشَابِهَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ (لِيَلْزَمَ الِاسْتِوَاءُ مُطْلَقًا) لَهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ لِانْتِفَاءِ اتِّحَادِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ لِاخْتِلَافِ الِاسْتِوَاءِ فِيهِمَا فَإِنَّ اسْتِوَاءَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ سُقُوطُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ثُبُوتُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُلْزِمًا وَالثُّبُوتُ وَالسُّقُوطُ مَعْنَيَانِ مُتَنَافِيَانِ وَكَيْفَ لَا وَظَاهِرُ امْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ اسْتِوَاءِ السُّقُوطِ فِي الْوُضُوءِ لِإِثْبَاتِ الِاسْتِوَاءِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُهُ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ.

(وَمَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ) النَّوْعِ (الثَّانِي) مِنْ الْقَلْبِ (وَهُوَ دَعْوَى تَجْوِيزِ ثُبُوتِ نَقِيضِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْفَرْعِ بِوَصْفِهِ) أَيْ وَصْفِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْأَصْلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ وُجُودَ الْجَامِعِ فِي الْفَرْعِ يَسْتَلْزِمُ مُخَالَفَةَ حُكْمِهِ حُكْمَ الْأَصْلِ فَوُجُودُ الْجَامِعِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُكْمَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ فِيهِمَا يَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى الْجَامِعِ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ لَهُ وَإِلَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِحُلُولِهِمَا فِيهِمَا (وَهُوَ قَلْبٌ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ (لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (لِيُبْطِلَ الْمُسْتَدِلَّ) أَيْ مَذْهَبَهُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ لِتَنَافِيهِمَا (كَلُبْثٍ) أَيْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ الِاعْتِكَافُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لُبْثٌ مَخْصُوصٌ (وَمُجَرَّدُهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (كَالْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ فَإِنَّ مُجَرَّدَهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِانْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ وَهِيَ الْإِحْرَامُ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ اعْتِبَارِ عِبَادَةٍ مَعَهُ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً (فَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الِاعْتِكَافِ (الصَّوْمُ) لِأَنَّ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً قَالَ هِيَ الصَّوْمُ لَا غَيْرُ (فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ الصَّوْمُ (كَالْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَعَرَّضَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ وَالْمُعْتَرِضَ أَشَارَ إلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهِ صَرِيحًا (وَ) قَلْبٌ (لِإِبْطَالِ) مَذْهَبِ (الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (كَالْحَنَفِيِّ فِي الرَّأْسِ) أَيْ كَقَوْلِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالرُّبْعِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ (مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي أَقَلُّهُ) أَيْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ (كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فَيَقُولُ) الشَّافِعِيُّ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ كَبَقِيَّتِهَا) أَيْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (وَوُرُودُهُ) أَيْ هَذَا الْقَلْبِ بِنَاءً (عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اتَّفَقْنَا) مَعَاشِرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى (أَنَّ الثَّابِتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>