للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ كَصَوْمِهِ (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ) فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا عَيَّنَ مَرَّةً لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ ثَانِيًا فَالْمُسْتَدِلُّ قَالَ صَوْمُ فَرْضٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَعَيِّنًا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرْوِيجًا لِمَطْلُوبِهِ وَذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ تَفْسِيرًا لَهُ وَبَيَانًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ الصَّوْمُ الْفَرْضُ الْمُتَعَيَّنُ فِي وَقْتِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ لَهُ صَوْمَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ غَايَتُهُ أَنَّ تَعْيِينَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ بِالشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَعْيِينُ الشَّارِعِ أَدْنَى مِنْ تَعْيِينِ الْعَبْدِ.

(وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْحُ (رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ الْمَسْحُ (رُكْنٌ فِيهِ) أَيْ الْوُضُوءِ (أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ) وَهُوَ اسْتِيعَابُ بَاقِيهِ (فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَالْغُسْلِ فَهِيَ) أَيْ الزِّيَادَةُ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ (تَفْسِيرٌ) لِحُصُولِ مَحَلِّ النِّزَاعِ (لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ بَعْدَ إكْمَالِهِ كَذَلِكَ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ (وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ وَلَمْ يَصِحَّ إيرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا) الْمِثَالِ (فِي الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لَيْسَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَقْرِيرٌ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ مَا جَعَلَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِ مُدَّعَاهُ فَيَلْزَمُ إبْطَالُهُ (وَإِذَا عَلِمْت) فِي أَوَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ (أَنَّ الْإِيرَادَ) أَيْ إيرَادَ الْمُعْتَرِضِ لِلِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ (عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (التَّأْثِيرَ لَا) عَلَى (حَقِيقَتِهِ) أَيْ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (صَحَّ إيرَادُ الْقَلْبِ عَلَى) الْعِلَلِ (الْمُؤَثِّرَةِ كَفَسَادِ الْوَضْعِ) إذْ الْمُنَافَاةُ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَتَمَامُ الْمُعَارَضَةِ عَلَى الْقَطْعِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ (وَيُخَالِفُهُ) أَيْ الْقَلْبَ فَسَادُ الْوَضْعِ (بِالزِّيَادَةِ) فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقَلْبِ (وَبِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ (أَعَمَّ مِنْ مُدَّعَاهُ) فَلَا يَكُونُ مَنْعُ وُرُودِهِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ صَحِيحًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَلْبَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْقَالِبَ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْأَصْلِ الْوَاحِدِ حُكْمَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ.

وَإِنْ تَعَرَّضَ لِنَقِيضِهِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا إثْبَاتِهِ بِعِلَّتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَاسْتِحَالَةِ اقْتِضَاءِ الْعِلَّةِ حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ لِتَعَذُّرِ مُنَاسَبَتِهِمَا لَهُمَا وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا تَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ مِنْ لَوَازِمِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قَادِحًا فِي الدَّلِيلِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ شَرْطَ الْقَلْبِ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى حُكْمَيْنِ غَيْرِ مُتَنَافِيَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا قَدْ امْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْفَرْعِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ وَنَقِيضِهِ حَقِيقَةً فَلَمْ يَكُنْ اجْتِمَاعُهُمَا فِي أَصْلِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ فِي نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ وَلِنَقِيضِهِ فِي نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فِي الْفَرْعِ ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ الْقَلْبَ صَحِيحٌ وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَمْنَعَ حُكْمَ الْقَالِبِ فِي الْأَصْلِ وَأَنْ يَقْدَحَ فِي تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِيهِ بِالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَأَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِهِ إذَا أَمْكَنَهُ بِبَيَانِ أَنَّ اللَّازِمَ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ وَأَنْ يَقْلِبَ قَلْبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَلْبُ الْقَلْبِ مُنَاقِضًا لِحُكْمِهِ لِأَنَّ قَلْبَ الْقَلْبِ إذَا فَسَدَ بِالْقَلْبِ الثَّانِي سَلِمَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مِنْ الْقَلْبِ كَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْأُصُولِ وَقِيلَ لَا يُسْمَعُ الْقَلْبُ وَالنَّقْضُ عَلَى الْقَلْبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْسَادِ لِكَلَامِ الْخَصْمِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِبَيَانِ أَنَّ هَذَا الْقَلْبَ لَا يُخْرِجُ دَلَالَةَ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ.

(قَالُوا) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (وَيَقْلِبُ الْعِلَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسِدٍ كَعِبَادَةٍ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا فَلَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي نَفْلٍ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِلشَّارِعِ فِيهِ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا إذَا فَسَدَتْ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا فَلَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْكُلَّ عِبَادَةٌ وَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا وَاحْتُرِزَ بِلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا عَنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ بِالشُّرُوعِ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدَةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>