للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْلِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي جَعْلِ الْمَعْلُولِ دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنْ يُقَيِّدَ الثُّبُوتَ بِتَصْدِيقِهَا كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الْخَشَبَةُ قَدْ مَسَّتْهَا النَّارُ لِأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ وَهَذَا الْإِنْسَانُ مُتَعَفِّنُ الْأَخْلَاطِ لِأَنَّهُ مَحْمُومٌ (وَهُوَ) أَيْ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إنَّمَا يَتِمُّ (إذَا ثَبَتَ التَّلَازُمُ شَرْعًا) بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلَ الْآخَرِ وَمَدْلُولَهُ (كَالتَّوْأَمَيْنِ) أَيْ الْمَوْلُودَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ (فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالنَّسَبِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِأَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَالرِّقُّ فِي أَيِّهِمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَنَسَبُ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ مِثَالُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ: الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَلَوْ قِيلَ قَلْبًا الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْوِلَايَةِ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحُرِّ اكْتِفَاءً بِرَأْيِهِ وَإِنَّمَا يُقَامُ رَأْيُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ إذَا عُدِمَ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ نَظَرًا لَهُ وَلِهَذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُ الْوَلِيِّ لَهُ مَشْرُوطَةً بِالْغِبْطَةِ فَالْوِلَايَةُ لِلْوَلِيِّ ظَاهِرًا وَعَلَيْهِ مَعْنًى وَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهَا وَيَأْثَمُ بِتَقْصِيرِهِ فِي رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَهُ.

وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِي الْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ سَوَاءٌ فَأَمْكَنَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الْأُخْرَى لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ هَذَا الْمَخْلَصُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لِأَنَّ الرَّجْمَ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ لِإِتْيَانِهِ عَلَى النَّفْسِ وَالْجَلْدَ نَائِبٌ مَحَلُّهُ ظَاهِرُ الْبَدَنِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الشَّرْطُ لِأَنَّ النِّيَابَةَ شَرْطُ الرَّجْمِ دُونَ الْجَلْدِ فَجَازَ أَنْ يُفَرَّقَا فِي شَرْطِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَلْزَمُ الِانْقِطَاعُ صُورَةً هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ يُوهِمُ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَصِيرُ مُنْقَطِعًا بِالْقَلْبِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بَعْدَهُ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِذَاكَ أَوْ لَا بِأَنْ يَقُولَ الْكُفَّارُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ وَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ التَّدَارُكُ مُمْكِنٌ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُعَرِّفِ وَالْمُرَادُ هُوَ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّنَا الْقَلْبُ لِأَنَّ الشَّيْءَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِشَيْءٍ وَذَلِكَ الشَّيْءُ مُعَرِّفًا لَهُ كَالنَّارِ مَعَ الدُّخَانِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ عِلَّةً لِصَاحِبِهِ بِمَعْنَى كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَرِّفًا لِصَاحِبِهِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَبِأَنْ يَقُولَ غَرَضِي الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَمَا ذَكَرْت مِنْ الْقَلْبِ لَا يُنَافِي غَرَضِي فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْقَلْبِ وَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَ) يُقَالُ (لِجَعْلِ الظَّهْرِ بَطْنًا) وَالْبَطْنَ ظَهْرًا كَقَلْبِ الْجِرَابِ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ (جَعْلُ وَصْفِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (شَاهِدًا) أَيْ حُجَّةً (لَك) أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ يُخَالِفُ حُكْمَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ شَاهِدًا لَهُ عَلَيْك فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ فَوَجْهُ الْوَصْفِ كَانَ إلَى الْمُعَلِّلِ أَيْ مُقْبِلًا عَلَيْهِ وَظَهْرُهُ إلَى السَّائِلِ أَيْ مُعْرِضًا عَنْهُ فَصَارَ وَجْهُهُ إلَى السَّائِلِ وَظَهْرُهُ إلَى الْمُعَلِّلِ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَصْفَ لَمَّا شَهِدَ لِلْمُعْتَرِضِ بَعْدَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ صَارَ مُتَنَاقِضًا فِي شَهَادَتِهِ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ.

(وَلَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ (مِنْ زِيَادَةٍ) فِي الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ (تُورِدُ تَفْسِيرًا لِمَا أَبْهَمَهُ الْمُسْتَدِلُّ) مِنْ الْوَصْفِ وَتَقْرِيرًا لَهُ لَا تَغْيِيرًا فَكَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِعَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا بِغَيْرِهِ لِيَلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ قَلْبًا بَلْ يَكُونُ مُعَارَضَةً مَحْضَةً غَيْرَ مُتَضَمِّنَةٍ لِلْإِبْطَالِ وَحَقِيقَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ أَنَّهُ رَبْطُ خِلَافِ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ إلْحَاقًا بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ (كَصَوْمِ فَرْضٍ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ صَوْمُ فَرْضٍ (فَلَا يَتَأَدَّى بِلَا تَعْيِينٍ) لِلنِّيَّةِ (كَالْقَضَاءِ) أَيْ كَصَوْمِ الْقَضَاءِ فَعَلَّقَ وُجُوبَ التَّعْيِينِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ (فَيَقُولُ) الْحَنَفِيُّ (صَوْمُ فَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ سَائِرِ الصِّيَامَاتِ عَنْ الْوَقْتِ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ (كَالْقَضَاءِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>