الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا أَنَّهُ لَهُ قُدْرَةُ الْخَلْقِ لَزِمَ قِدَمُ الْعَالَمِ وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا (وَبِالْفِعْلِ تَعَلُّقُهَا) أَيْ وَيُرَادُ بِصِفَةِ الْخَلْقِ بِالْفِعْلِ الصِّفَةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ، وَهِيَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَادِ بِالْمَقْدُورِ (وَهُوَ) أَيْ وَالتَّعَلُّقُ الْمَذْكُورُ (عُرُوضُ الْإِضَافَةِ) وَهِيَ النِّسْبَةُ الْإِيجَادِيَّةُ (لِلْقُدْرَةِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْدُورٍ مَخْصُوصٍ (وَيَلْزَمُ) مِنْ كَوْنِ التَّعَلُّقِ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا (حُدُوثُهُ) أَيْ التَّعَلُّقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ كَكَوْنِ الْبَارِي - تَعَالَى - وَتَقَدَّسَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَمَذْكُورًا بِأَلْسِنَتِنَا وَمَعْبُودًا لَنَا وَمُحْيِيًا وَمُمِيتًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَتِمُّ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ السَّالِفِ (وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فُرِضَ تَصْرِيحُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِصِفَةِ الْخَلْقِ الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْخَلْقِ (فَقَدْ نَفَاهُ الدَّلِيلُ) وَهُوَ لُزُومُ قِدَمِ الْعَالَمِ وَالْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ
(مَسْأَلَةٌ الْوَصْفُ حَالَ الِاتِّصَافِ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ وُصِفَ بِهِ فِي حَالَةِ قِيَامِ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ (حَقِيقَةٌ) اتِّفَاقًا كَضَارِبٍ لِمُبَاشِرِ الضَّرْبِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ سَيُوصَفُ بِهِ قَبْلَ قِيَامِ مَعْنَاهُ بِهِ (مَجَازٌ) اتِّفَاقًا كَالضَّارِبِ لِمَنْ لَمْ يَضْرِبْ وَسَيَضْرِبُ (وَبَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِهِ ثُمَّ زَالَ مَعْنَاهُ عَنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَجَازٌ مُطْلَقًا حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا (ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ) أَيْ مَعْنَى الْوَصْفِ بَعْدَ تَمَامِ وُجُودِهِ (مُمْكِنًا) بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ دَفْعِيًّا كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ (فَمَجَازٌ وَإِلَّا حَقِيقَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ مُمْكِنًا بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ تَدْرِيجِيًّا كَالْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ الَّتِي لَا ثَبَاتَ لِأَجْزَائِهَا كَالتَّكَلُّمِ وَالتَّحَرُّكِ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ.
(كَذَا شُرِحَ بِهِ) أَيْ بِمَعْنَى هَذَا التَّقْرِيرِ (وَضْعُهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا مَعْنَاهُ (هَلْ يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُمْكِنًا اُشْتُرِطَ) وَالْوَاضِعُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّارِحُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الشَّارِحُ (قَاصِرٌ) عَنْ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ بَلْ مُنَاقِضٌ لِبَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ (إذْ يُفِيدُ إطْلَاقُ الِاشْتِرَاطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِي الْمَشْرُوحِ (الْمَجَازِيَّةَ حَالَ قِيَامِ جُزْءٍ فِيمَا يُمْكِنُ) أَيْ مَجَازِيَّةُ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ؛ إذْ بَقَاءُ جُزْئِهِ لَيْسَ بَقَاءَهُ (وَالشَّرْحُ) يُفِيدُ (الْحَقِيقِيَّةَ) أَيْ حَقِيقِيَّةَ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ لِاعْتِبَارِهِ الِانْقِضَاءَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِانْقِضَاءُ مَعَ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ الْمُنْقَضِي وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ.
هَذَا وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَاضِي وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِدُخُولِهَا فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْتَقَّاتِ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَاضِي بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ حَقَائِقُ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُسْتَثْنَى الْمُضَارِعُ؛ إذْ قِيلَ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ أَوْ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنْ مَشْهُورِي شَارِحِي كَلَامِهِ (الْمَجَازُ) أَيْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إطْلَاق الْوَصْفِ عَلَى مَنْ زَالَ عَنْهُ مَعْنَاهُ بَعْدَ قِيَامِهِ بِهِ مَجَازٌ وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ (يَصِحُّ فِي الْحَالِ نَفْيُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُنْقَضِي (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ ثُمَّ انْقَضَى (وَهُوَ دَلِيلُهُ) أَيْ وَصِحَّةُ النَّفْيِ مُطْلَقًا مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ (لَا يُنَافِي الثُّبُوتَ الْمُنْقَضِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَنْفِي مُقْتَضَاهُ) أَيْ مُقْتَضَى نَفْسِهِ (مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِطْلَاقِ (حَقِيقَةً) وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ دَفَعَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ مُنَافِيًا لِلثُّبُوتِ الْمُنْقَضِي لَكِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ.
وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْمُنْقَضِيَ لَا يَنْفِي مُقْتَضَى نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَجَازِيَّةِ (نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ) مِنْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي: زَيْدٌ لَيْسَ ضَارِبًا إذَا كَانَ قَدْ ضَرَبَ بِالْأَمْسِ وَانْقَضَى (نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ) بِأَنْ أُرِيدَ لَيْسَ ضَارِبًا فِي الْحَالِ (وَهُوَ) أَيْ نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ (نَفْيُ الْمُقَيَّدِ) أَيْ الضَّرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute