للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّقْوِيمِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَ مُخْطِئًا لِلْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ مُصِيبًا لِلْحَقِّ فِي حَقِّ عَمَلِهِ حَتَّى إنَّ عَمَلَهُ يَقَعُ صَحِيحًا شَرْعًا كَأَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَلَغَنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ: وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي أَخْطَأَ مَا عِنْدَ اللَّهِ مُصِيبٌ فِي حَقِّ عَمَلِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إذَا تَلَاعَنَ الزَّوْجَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَجَعَلَ قَضَاءَهُ فِي حَقِّهِ صَوَابًا مَعَ فَتْوَاهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ فَمَنْ أَصَابَهُ فَقَدْ أَصَابَ الْحَقَّ وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَقَدْ أَخْطَأَهُ انْتَهَى غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي الْمَعْنَى لِمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(وَإِنْ حُمِلَ) كَوْنُهُ مُخْطِئًا ابْتِدَاءً (عَلَى خَطَئِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الِاجْتِهَادِ (لِإِخْلَالِهِ بِبَعْضِ شُرُوطِ الصِّحَّةِ) لِلِاجْتِهَادِ (فَاتِّفَاقٌ) أَيْ فَكَوْنُهُ مُخْطِئًا اتِّفَاقٌ وَقِيلَ هُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ الْمُجْتَهِدُ مُخْطِئٌ انْتِهَاءً وَابْتِدَاءً أَرَادَ بِالْإِصَابَةِ أَنَّ دَلِيلَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا إلَى مَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَ اللَّهِ.

وَمَنْ قَالَ: مُخْطِئٌ انْتِهَاءً لَا ابْتِدَاءً أَرَادَ بِالْإِصَابَةِ ابْتِدَاءً اسْتِفْرَاغَ الْجُهْدِ فِي رِعَايَةِ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَفِي الدَّلِيلِ الْمُوصِلِ إلَى مَا هُوَ الْحَقُّ (لَنَا) عَلَى الْمُخْتَارِ (لَوْ كَانَ الْحُكْمُ) فِي الْحَادِثَةِ (مَا) أَدَّى اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ (إلَيْهِ كَانَ) الْمُجْتَهِدُ (بِظَنِّهِ) لِلْحُكْمِ (يَقْطَعُ بِأَنَّهُ) أَيْ مَظْنُونَهُ (حُكْمُهُ تَعَالَى، وَالْقَطْعُ) ثَابِتٌ (بِأَنَّ الْقَطْعَ) بِأَنَّ مَظْنُونَهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى (مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ ظَنِّهِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (وَالْإِجْمَاعَ) أَيْضًا ثَابِتٌ (عَلَى جَوَازِ تَغَيُّرِهِ) أَيْ ظَنِّهِ بِظَنِّ غَيْرِهِ.

(وَ) عَلَى (وُجُوبِ الرُّجُوعِ) عَنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ (وَأَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ (لَمْ يَزُلْ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَطْعِ) بِهِ بَلْ يَتَأَكَّدُ أَنَّ حُكْمَ الْقَطْعِ بِهِ الْقَطْعُ بِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ هُوَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ عَالِمًا بِالشَّيْءِ مَا دَامَ ظَانًّا لَهُ وَلَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ اجْتِمَاعَ الظَّنِّ، وَالْعِلْمِ فِيهِ إذْ الظَّنُّ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: انْتِفَاءُ الظَّنِّ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِبَقَاءِ الظَّنِّ (وَإِنْكَارُهُ) أَيْ بَقَاءِ الظَّنِّ (بُهْتٌ) أَيْ مُكَابَرَةٌ (فَيَجْتَمِعُ الْعِلْمُ، وَالظَّنُّ) لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ (فَيَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ تَجْوِيزُ النَّقِيضِ) لِلْحُكْمِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ تَجْوِيزُ نَقِيضِهِ (وَإِلْزَامُ كَوْنِهِ) أَيْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ (مُشْتَرَكَ الْإِلْزَامِ) ، فَإِنَّهُ كَمَا يَلْزَمُ إصَابَةُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ يَلْزَمُ إصَابَةُ وَاحِدٍ وَخَطَأُ الْآخَرِينَ أَيْضًا لِلْعِلْمِ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ صَوَابًا كَانَ، أَوْ خَطَأً يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ، وَالْعِلْمُ بِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ فَيَكُونُ الْمُجْتَهِدُ عَالِمًا حَالَ كَوْنِهِ ظَانًّا فَيَلْزَمُ الْقَطْعُ وَعَدَمُ الْقَطْعِ وَهُمَا نَقِيضَانِ، وَإِذَا كَانَ مُشْتَرَكَ الْإِلْزَامِ كَانَ الدَّلِيلُ بَاطِلًا إذْ بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْشَأَ الْفَسَادِ لَيْسَ خُصُوصِيَّةَ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ (مُنْتَفٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اتَّحَدَ مُتَعَلَّقُ الظَّنِّ، وَالْعِلْمِ هُنَا لَكِنَّهُ لَمْ يَتَّحِدْ هُنَا (لِاخْتِلَافِ مَحِلِّ الظَّنِّ، وَهُوَ) أَيْ مَحِلُّهُ (حُكْمُهُ أَيْ خِطَابُهُ) تَعَالَى الْمَطْلُوبُ بِالِاجْتِهَادِ (وَ) مَحِلُّ (الْعِلْمِ، وَهُوَ) أَيْ مَحِلُّهُ (حُرْمَةُ مُخَالَفَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ (بِشَرْطِ بَقَاءِ ظَنِّهِ) لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ لَا أَنَّ مَحِلَّهُ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ بِالِاجْتِهَادِ (فَهُنَا خَطَأٌ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ الْمَظْنُونُ وَتَحْرِيمُ تَرْكِهِ) أَيْ الْمَظْنُونِ (وَيُلَازِمُهُ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعَ (إيجَابُ الْفَتْوَى بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَظْنُونِ (وَهُمَا) أَيْ تَحْرِيمُ تَرْكِهِ وَإِيجَابُ الْفَتْوَى بِهِ (مُتَعَلِّقَةٌ) أَيْ الْحُكْمُ الْمَظْنُونُ (الْمَعْلُومُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمَحِلَّانِ (بِخِلَافِ) قَوْلِ (الْمُصَوِّبَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَيْسَ إلَّا مَا تَأَدَّى إلَيْهِ) الِاجْتِهَادُ فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُتَعَلَّقُ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ مُتَعَلَّقُ الظَّنِّ فَيَتَّحِدُ الْمَحِلَّانِ.

(فَإِنْ قَالُوا) أَيْ الْمُصَوِّبَةُ هَذَا الْجَوَابُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ بَيَانُ تَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِي الْعِلْمِ، وَالظَّنِّ يَجْرِي فِي دَلِيلِكُمْ؛ لِأَنَّا (نَقُولُ مُتَعَلَّقُ الظَّنِّ كَوْنُهُ) أَيْ الدَّلِيلُ (دَلِيلًا) أَيْ دَالًّا عَلَى الْحُكْمِ (وَ) مُتَعَلَّقُ (الْعِلْمِ ثُبُوتُ مَدْلُولِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ، وَهُوَ الْحُكْمُ (شَرْعًا بِذَلِكَ الشَّرْطِ) أَيْ بَقَاءُ ظَنِّهِ (فَإِذَا زَالَ) ظَنُّهُ (رَجَعَ) عَنْهُ لِزَوَالِ شَرْطِ ثُبُوتِهِ، وَهُوَ ظَنُّ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ كَمَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ قَدْ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ (أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (دَلِيلًا) أَيْضًا (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَمَلِيٍّ) أَيْ لَيْسَ بِخِطَابِ تَكْلِيفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>