للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوَاسِطَةِ الْمَنَعَةِ (فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِتَأْوِيلِهِ) الْفَاسِدِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِهَا، وَهُوَ الْإِثْمُ، فَإِنَّ الْبَاغِيَ يَأْثَمُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنَعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَلَا تَسْقُطُ حُقُوقُهُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى اللَّهِ حَرَامٌ أَبَدًا، وَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا إلَّا أَنْ يَعْفُوَ (وَلَا نَضْمَنُ مَا أَتْلَفْنَا مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى فَلَا يَضْمَنُ الْبَاغِي مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَعْدَ أَخْذِهِ، أَوْ تَوْبَتِهِ كَمَا فِي الْحَرْبِيِّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِتَأْوِيلِهِ.

فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فِي يَدِهِ وَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ كَمَا لَا يَمْلِكُ مَالَهُ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ الْمُتَقَابِلَتَيْنِ فِي الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ أَصْلٌ ثُمَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُفْتِيهِمْ بِأَنْ يَضْمَنُوا مَا أَتْلَفُوا مِنْ النُّفُوسِ، وَالْأَمْوَالِ وَلَا أُلْزِمُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْحُكْمِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ الْإِسْلَامَ، وَقَدْ ظَهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً فَيُفْتَوْنَ بِهِ وَلَا يُفْتَى أَهْلُ الْعَدْلِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي قِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ مُمْتَثِلُونَ لِلْأَمْرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ ضَمَانِ الْبَاغِي مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ فَلَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْهُ كَقَوْمٍ غَلَبُوا عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْهَا بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ، أَوْ اثْنَانِ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا، أَوْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إنَاطَةِ نَفْيِ الضَّمَانِ بِالْمَنَعَةِ.

وَالتَّأْوِيلِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي مُصَنِّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ إنَّهَا رَجَعَتْ إلَى أَهْلِهَا تَائِبَةً قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا قِصَاصًا فِي دَمٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا يُرَدُّ مَالٌ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُرَدَّ عَلَى زَوْجِهَا وَأَنْ يُحَدَّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا وَبَقَاءُ مَا عَدَا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ عَلَى حُكْمِهِ الْمَعْرُوفِ لَهُ (وَيُدَفَّفُ عَلَى جَرْحَاهُمْ) فِي الْمُغْرِبِ دَفَّفَ عَلَى الْجَرِيحِ بِالدَّالِ، وَالذَّالِ أَسْرَعَ قَتْلَهُ وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْمَامِ الْقَتْلِ وَيُتَّبَعُ مُوَلِّيهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ فَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُتَّبَعُ مُوَلِّيهمْ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ الْوَاجِبُ ذِكْرَ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْكِتَابِ كَغَيْرِهِ وُجُوبُ التَّدْفِيفِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَاقِيَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يُتَّبَعُ مُدْبِرٌ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِدَفْعِ الشَّرِّ، وَإِذَا كَانَ لَهُمَا فِئَةٌ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ دَفْعًا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَحَيَّزَانِ إلَى الْفِئَةِ وَيَعُودُ شَرُّهُمَا كَمَا كَانَ وَأَصْحَابُ الْجَمَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ أُخْرَى سِوَاهُمْ (وَيَرِثُ) الْعَادِلُ (مُوَرِّثَهُ) الْبَاغِيَ (إذَا قَتَلَهُ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ فَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِالْعَادِلِ.

(وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ يَرِثُ الْبَاغِي مُوَرِّثَهُ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ، وَقَالَ: كُنْت عَلَى الْحَقِّ وَأَنَا الْآنَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةً (لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ إرَادَتِهِ، وَلَوْ قَالَ: قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَرِثُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ بِالصَّحِيحِ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي دَفْعِ الضَّمَانِ، وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِلْحَاقُهُ بِهِ بِلَا دَلِيلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولَانِ: الْمُتَحَقَّقُ مِنْ الصَّحَابَةِ جَعْلُ تِلْكَ الْمَنَعَةِ وَالِاعْتِقَادِ دَافِعًا مَا لَوْلَاهُ لَثَبَتَ لِثُبُوتِ أَسْبَابِ الثُّبُوتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الْمَنَعَةُ وَالِاعْتِقَادُ لَثَبَتَ الضَّمَانُ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ مِنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ فَيَتَنَاوَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ قَائِمَةٌ، وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ مَانِعٌ وُجِدَ عَنْ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ مَعَ الْمَنَعَةِ فَمَنَعَ مُقْتَضَاهُ مِنْ الْمَنْعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>