ويعجبني في هذا المقام قول الإمام البغوي: ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته، والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أن السنة مبينة للكتاب.
ولما كان نص الآية يقتضى أن الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة، وكان الأكل مسكوتا عنه، ودار الأمر فيه على الإباحة والتحريم، وردت السنة النبوية بإباحة لحوم الخيل، وبتحريم لحوم البغال والحمير فوجب الأخذ بما جاء في السنة التي هي بيان للكتاب «١» .
هذا وقد ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على عظيم قدرته، وسعة علمه، فقال وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.
أى: ويخلق- سبحانه- في الحال والاستقبال، مالا تعلمونه- أيها الناس- من أنواع المخلوقات المختلفة سوى هذه الدواب، كالسفن التي تمخر عباب الماء، والطائرات التي تشق أجواز الفضاء، والسيارات التي تنهب الأرض نهبا لسرعتها، وغير ذلك من أنواع المخلوقات التي لا يعلمها سواه- سبحانه- والتي أوجدها لمنفعتكم ومصلحتكم.
وهذه الجملة الكريمة تدل على أن القرآن من عند الله- تعالى- فقد أوجد- سبحانه- العقول البشرية، التي ألهمها صنع الكثير من المخترعات النافعة في البر وفي البحر وفي الجو، والتي لم يكن للناس معرفة بها عند نزول القرآن الكريم.
وتشير- أيضا- إلى مزيد فضل الله- تعالى- على الناس، حيث أخبرهم بأنه سيخلق لهم في مستقبل الأيام من وسائل الركوب وغيرها، ما فيه منفعة لهم، سوى هذه الدواب التي ذكرها.
فعليهم أن يستعملوا هذه الوسائل في طاعة الله- تعالى- لا في معصيته وعليهم أن يتقبلوا هذه الوسائل، وأن يفتحوا عقولهم لكل ما هو نافع.
ورحم الله صاحب الظلال، فقد قال عند تفسيره الآية ما ملخصه: يعقب الله- تعالى- على خلق الأنعام والخيل والبغال والحمير بقوله وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ليظل المجال مفتوحا في التصور البشرى، لتقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والركوب والزينة.