للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ حض من الله- تعالى- لعباده على الإكثار من عمل الخير.

والتطوع: السعى في أن يكون الإنسان فاعلا للطاعة باختياره بدون إكراه والخير: مصدر خار إذا حسن وشرف، وهو منصوب لتضمين تطوع معنى أتى، أو على أنه صفة لمصدر محذوف أى تطوعا خيرا.

والمعنى: فمن تطوع خيرا بأن زاد على القدر المفروض في الفدية، أو أطعم أكثر من مسكين، أو جمع بين الإطعام والصوم، فتطوعه سيكون خيرا عند الله- سبحانه- لا يضيع أجر من أحسن عملا.

وقوله: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ترغيب في الصوم وتحبيب فيه. أى: وأن تصوموا أيها المطيقون للصوم، أو أيها المكلفون جميعا خير لكم من كل شيء سواه، إن كنتم تعلمون فوائد الصوم في حياتكم، وحسن جزائه في آخرتكم.

روى النسائي وابن خزيمة عن أبى أمامه رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله مرني بعمل قال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له- أى لا يعادل ثوابه بشيء- فقلت يا رسول الله مرني بعمل، فقال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له. فقلت: يا رسول الله مرني بعمل أدخل به الجنة. فقال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له» «١» .

وقوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ كلام مستأنف لبيان تلك الأيام المعدودات التي كتب علينا الصوم فيها وأنها أيام شهر رمضان الذي يستحق كل مدح وثناء لتشرفه بنزول الكتب السماوية فيه.

قال الإمام ابن كثير: يمدح- تعالى- شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، فقد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء فعن وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان «٢» .

والشَّهْرَ مأخوذ من الشهرة، يقال: شهر الشيء يشهر شهرة وشهرا إذا ظهر بحيث لا يتعذر علمه على أحد، ومنه يقال: شهرت السيف إذا سللته قال بعضهم: وسمى الهلال


(١) الترغيب والترهيب للمنذرى ج ٢ ص ٨٥ من «كتاب الصوم» .
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>