للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا بيان لبعض ما يخفون أو لما يقولونه فيما بينهم.

أى يقولون لو كان لنا من الأمر المطاع أو المسموع شيء ما خرجنا من المدينة إلى هذا المكان الذي قتل فيه أقاربنا وعشائرنا.

فأنت ترى أن القرآن يحكى عنهم أنهم يريدون تبرئة أنفسهم مما نزل بالمسلمين بأحد، وأنهم لو كان لهم رأى مطاع لبقوا في المدينة ولم يخرجوا منها لقتال المشركين، وأن التبعة في كل ما جرى في غزوة أحد يتحملها النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الذين ألحوا عليه في الخروج لقتال المشركين خارج المدينة، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لو كانوا على الحق لانتصروا.

قال ابن جرير: وذكر أن ممن قال هذا القول- لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا معتب بن قشير من بنى عمرو بن عوف. فعن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال، والله إنى لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم حين قال: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا «١» .

وقد أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم بما يدفع أقوالهم الباطلة فقال: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ.

وقوله لَبَرَزَ من البروز وهو الخروج من المكان الذي يستتر فيه الإنسان والمضاجع جمع مضجع وهو مكان النوم. والمراد به هنا المكان الذي استشهد فيه من استشهد من المسلمين.

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء الذين يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتل أقاربنا في هذا المكان من جبل أحد. قل لهم لو كنتم في بيوتكم ومنازلكم بالمدينة ولم تخرجوا للقتال بجملتكم، لخرج لسبب من الأسباب الداعية إلى الخروج الذين كتب عليهم القتل في اللوح المحفوظ إلى مضاجعهم أى أماكن قتلهم التي قدر الله لهم أن يقتلوا فيها لأنه ما من نفس تموت إلا بإذن الله وبإرادته، ولن يستطيع أحد أن ينجو من قدر الله المحتوم وقضائه النافذ، فإن الحذر لا يدفع القدر، والتدبير لا يقاوم التقدير وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ «٢» .

وفي هذا الرد مبالغة في إبطال ما قاله هؤلاء الذين يظنون بالله الظنون السيئة حيث لم يقتصر- سبحانه- على تحقيق القتل نفسه متى قدره بل عين مكانه- أيضا-.


(١) تفسير ابن جرير ج ٤ ص ١٤٣.
(٢) سورة لقمان آية ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>