مذاكرة ومناظرة، وبصرى عن مطالعة، أعملت فكرى فى حال راحتى، وأنا مستطرح، فلا أنهض إلاّ وقد خطر لى ما أسطره. وإنّي لأجد من حرصى على العلم. وأنا فى عشر الثمانين أشدّ مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.
قال: وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى «بالفنون» مناطا لخواطره وواقعاته. ومن تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل.
وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة. فلما كانت سنة خمس وسبعين وأربعمائة جرت فيها فتن بين الحنابلة والأشاعرة، فترك الوعظ، واقتصر على التدريس.
ومتعه الله تعالى بسمعه وبصره، وجميع جوارحه.
قال: وقرأت بخطه. قال: بلغت الاثنتى عشرة سنة، وأنا فى سنة الثمانين وما أرى نقصا فى الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر، وقوة البصر، لرؤية الأهلة الخفية، إلاّ أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة.
قلت: وذكر ابن عقل، فى فنونه: قال حنبلى - يعنى نفسه -: أنا أقصر بغاية جهدى أوقات أكلى، حتى أختار سفّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرا على مطالعة، أو تسطير فائدة، لم أدركها فيه.
قال ابن الجوزى: وكان ابن عقيل قوى الدين، حافظا للحدود. وتوفى له ولدان، فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه. وكان كريما ينفق ما يجد، ولم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه. وكانت بمقدار كفنه، وقضاء دينه.
وقال ابن عقيل: قدم علينا أبو المعالى الجوينى بغداد، أول ما دخل الغزالى فتكلم مع أبى إسحاق، وأبى نصر الصباغ، وسمعت كلامه. ثم ذكر عنه مسألة العلم بالأعراض المشهورة عنه، وبالغ فى الرد عليه.
ولما ورد الغزالى بغداد، ودرس بالنظامية، حضره ابن عقيل، وأبو الخطاب،