للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإذا فقدوه جحدوه. وهذا لا يحسن بأرباب العقول الصحيحة. وذلك أن لنا موجودات ما نالها الحس، ولم يجحدها العقل، ولا يمكننا جحدها لقيام دلالة العقل على إثباتها.

فإن قال لك أحد من هؤلاء: لا تثبت إلا ما ترى. فمن ههنا دخل الإلحاد على جهّال العوام، الذين يستثقلون الأمر والنهى، وهم يرون أن لنا هذه الأجساد الطويلة العميقة، التى تنمى ولا تفسد، وتقبل الأغذية وتصدر عنها الأعمال المحكمة، كالطب، والهندسة. فعلموا أن ذلك صادر عن أمر وراء هذه الأجساد المستحيلة وهو الروح والعقل، فإذا سألناهم: هل أدركتم هذين الأمرين بشئ من إحساسكم قالوا: لا، لكننا أدركناهما من طريق الاستدلال بما صدر عنهما من التأثيرات قلنا: فما لكم جحدتم الإله، حيث فقدتموه حسا، مع ما صدر عنه من إنشاء الرياح والنجوم، وإدارة الأفلاك، وإنبات الزرع، وتقليب الأزمنة؟ وكما أن لهذا الجسد عقلا وروحا بهما قوامه ولا يدركهما الحس، لكن شهدت بهما أدلّة العقل من حيث الآثار، كذلك الله سبحانه - وله المثل الأعلى - ثبت بالعقل، لمشاهدة الإحساس من آثار صنائعه، وإتقان أفعاله.

وأرسل هذا الفصل إلى السلطان مع بعض خواصه. قال: فحكى لى أنه أعاده عليه فاستحسنه، وهش إليه، ولعن أولئك، وكشف إليه ما يقولون له.

وكتب ابن عقيل أيضا مرة إلى أبى شجاع، وزير الخليفة المقتدى. وكان دينا كثير التعبد، لكن كانت به وسوسة فى عباداته:

أما بعد، فإن أجلّ تحصيل عند العقلاء، بإجماع العلماء: الوقت، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص. فالتكاليف كثيرة، والآداب خاطفة. وأقلّ متعبد به الماء. ومن اطلع على أسرار الشريعة علم قدر التخفيف.

فمن ذلك قوله: «صبوا على بول الأعرابى ذنوبا من الماء».

وقوله فى المنى: «أمطه عنك».

وقوله فى الخف: «طهوره أن تدلكه بالأرض». وفى ذيل المرأة: «يطهره ما بعده».

<<  <  ج: ص:  >  >>