للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حيث رأيت ذلك الخاتم، فتعجبت من وجهه، ورأيت فى وقت غسله آثارا بوجهه وجسده، تدل على أنه مسموم، وحملت جنازته يوم الأحد إلى جامع القصر، وصلّى عليه، ثم حمل إلى مدرسته التى أنشأها بباب البصرة، فدفن بها. وغلقت يومئذ أسواق بغداد. وخرج جمع لم نره لمخلوق قط فى الأسواق، وعلى السطوح وشاطئ دجلة، وكثر البكاء عليه؛ لما كان يفعله من البر، ويظهره من العدل.

وذكر مصنف سيرته: أنه كان ثار به بلغم وهو فى قصره بالخالص، ثم خرج مع المستنجد للصيد، فسقى مسهلا لأجل البلغم، فاستأذن الخليفة فى الدخول إلى بغداد للتداوى، فأذن له، فدخل يوم الجمعة فى موكب عظيم. وصلّى الجمعة وحضر الناس عنده يوم السبت. فلما كان وقت صلاة الصبح يوم الأحد عاوده البلغم، فوقع مغشيا عليه، فصرخ الجوار، فأفاق فسكتهن. وقيل: له إن أستاذ الدار ابن رئيس الرؤساء، قد بعث جماعة ليستعلم ما هذا الصياح؟ فتبسم الوزير على ما هو عليه من تلك الحال، وأنشد متمثلا:

وكم شامت بى عند موتى جاهل … بظلم يسل السيف بعد وفاتى

ولو علم المسكين ماذا يناله … من الضرّ بعدى مات قبل مماتى

قلت: وكذا وقع، فإن البليدى الذى تولى الوزارة بعده لم يبق من الأذى لبيت رئيس الرؤساء ممكنا.

قال: ثم تناول مشروبا فاستفرغ به، ثم استدعى بماء فتوضأ للصلاة، وصلّى قاعدا، فسجد فأبطأ عن القعود من السجود، فحركوه فإذا هو ميت. رحمه الله

ورثاه جماعة من شعرائه - منهم: النميرى - بقصائد. منها قوله:

ألمم على جدث حوى تاج الملوك وقل: سلام … واعقر سويد الضمير، فليس يقنعنى السوام

وتوق أن يثنى حيا دمع عينيك أو ملام … إن التماسك والوقار بمن أصيب به حرام

<<  <  ج: ص:  >  >>