للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فى الشوارع على حلق المشعبذين وأصحاب اللهو، واللعابين بالقرود والدّباب من غير مبالاة. وإذا عوتب على ذلك يقول: إنه يندر منهم نوادر لا يكون أحسن ولا ألطف منها، ومع ذلك فكان لا يخلو كمه من كتب العلم.

وكان رؤساء زمانه ووزراء وقته يودون مجالسته، ويتمنون محاضرته فلا يفعل.

قال مسعود بن البادر: كنت يوما بين يدى المستضئ، فقال لى: كل من نعرفه قد ذكرنا بنفسه، ووصل إليه برنا، إلا ابن الخشاب، فأخبره فاعتذرت عنه بعذر اقتضاه الحال، ثم خرجت فعرفت ابن الخشاب ذلك، فكتب إليه هذين البيتين:

ورد الورى سلسال جودك فارتووا … فوقفت دون الورد وقفة حائم

ظمآن أطلب خفة من زحمة … والورد لا يزاد غير تزاحم

قال ابن البادر: فأخذتها منه فعرضتها على المستضئ، فأرسل إليه بمائتى دينار وقال: لو زادنا زدناه. وكان متبذلا فى لباسه ومطعمه ومشربه، ولم يكن له زوجة ولا جارية.

ويقال: إنه كان بخيلا مقترا على نفسه. وكان يعتم العمة، فتبقى معتمة أشهرا حتى تتسخ أطرافها من عرقه، فتسود وتتقطع من الوسخ، وترمى عليها العصافير ذرقها. وكان إذا رفعها عن رأسه ثم أراد لبسها تركها على رأسه كيف اتفق، فتجئ عذبتها تارة من تلقاء وجهه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله، فلا يغيرها. فإذا قيل له فى ذلك يقول: ما استوت العمة على رأس عاقل قط.

وكان رحمه الله ظريفا مزاحا، ذا نوادر.

فمن نوادره: أن بعض أصحابه سأله يوما، فقال: القفا يمد أو يقصر؟ فقال:

يمد ثم يقصر.

ومنها: أنه لما صنف الكمال الأنبارى كتاب «الميزان» فى النحو عرض عليه، فقال: احملوا هذا الميزان إلى المحتسب ففيه عين.

<<  <  ج: ص:  >  >>