ومنها: أنه كان يوما فى داره فى وقت القيلولة والحر الشديد وقد نام، إذ طرق عليه الباب طرقا مزعجا، فانتبه فخرج مبادرا، وإذا رجلان من العامة، قال:
ما خطبكما؟ فقالا: نحن شاعران، وقد قال كل واحد منا قصيدة وزعم أنها أجود من قصيدة صاحبه. وقد رضينا بحكمك، فقال: ليبدأ أحدكما.
قال: فأنشد أحدهما قصيدته وهو مصغ إليه، حتى فرغ منها، وهم الآخر بالإنشاد، فقال له ابن الخشاب: على رسلك، فشعرك أجود. فقال: كيف خبرت شعرى ولم تسمعه؟ فقال: لأنه لا يكون شئ أبخس من شعر هذا.
ومنها: أن بعض المعلمين كان يقرأ عليه شيئا من الأدب، فجاء فيه قول العجاج:
أطربا وأنت قنّسرى … وإنما يأتى الصبىّ الصبىّ
فقرأ المعلم: وإنما يأتى الصبىّ الصبىّ، فقال ابن الخشاب: هذا عندك فى الكتاب وفقك الله. فأما عندنا فلا، فاستحى المعلم.
ومنها: ما حكاه ابن الأخضر قال: كنت يوما عنده - وعنده جماعة من الحنابلة - فسأله مكى القراد: عندك كتاب الخيال؟ فقال: يا أبله، ما تراهم حولى؟
ومنها: أنه كان ببغداد رجل يقال له: العتابى نحوى، وكان يدعى من علم النحو فوق ما عنده، فاجتمع ابن الخشاب مرة بابن القصار اللغوى عند قدومه من مصر، فقال ابن الخشاب: ما رأيت من عجائب مصر؟ قال: رأيت أشياء ذكرها. ثم قال: ورأيت فيها حمارا عتابيا، فقال ابن الخشاب: ماذا عجب؛ فإن عندنا ببغداد عتابى حمار.
ولابن الخشاب شعر كثير حسن، فمنه ما ألغزه فى الكتاب:
وذى أوجه لكنه غير بائح … بسر، وذو الوجهين للسر مظهر
تناجيك بالأسرار أسرار وجهه … فتسمعها، ما دمت بالعين تنظر