للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان أخوه الموفق يقول عنه: هو شيخنا، ربّانا وأحسن إلينا، وعلمنا وحرص علينا، وكان للجماعة كالوالد يقوم بمصالحهم، ومن غاب منهم خلفه فى أهله. قال: وكان أبى أحمد قد تخلى عن أمور الدنيا وهمومها، فكان المرجع فى مصالح الأهل إليه، وهو الذى هاجر بنا، وسفّرنا إلى بغداد، وبنى الدير.

فلما رجعنا من بغداد زوجنا وبنى لنا دورا خارجة عن الدير وكفانا هموم الدنيا. وكان يؤثرنا ويدع أهله محتاجين، وبنى المدرسة والمصنع بعلو همته. وكان مجاب الدعوة، وما كتب لأحد ورقة للحمى إلا شفاء الله تعالى.

قال أبو المظر: وكراماته كثيرة، وفضائله غزيرة، فمنها: أنى صليت يوم جمعة بجامع الجبل فى أول سنة ست وستمائة، والشيخ عبد الله اليونانى إلى جانبى، فلما كان فى آخر الخطبة وأبو عمر يخطب نهض الشيخ عبد الله مسرعا، وصعد إلى مغارة قريبة وكان نازلا بها، فظننت أنه احتاج إلى الوضوء، أو آلمه شئ.

فلما صليت الجمعة صعدت وراءه، وقلت له: خير، ما الذى أصابك؟ فقال: هذا أبو عمر، ما تحل خلفه صلاة، قلت: ولم؟ قال: لأنه يقول على المنبر ما لا يصلح.

قلت: وما الذى يقول؟ قال: قال الملك العادل، وهو ظالم، فما يصدق. وكان أبو عمر يقول فى آخر الخطبة: اللهم، أصلح عبدك الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب، فقلت له: إذا كانت الصلاة خلف أبى عمر لا تصح، فيا ليت شعرى خلف من تصح؟ وبينا نحن فى الحديث، وإذا بالشيخ أبى عمر قد دخل ومعه مئزر، فسلم وحل المئزر، وفيه رغيف وخيارتان، فكسر الجميع، وقال:

بسم الله، الصلاة. ثم قال ابتداء: قد جاء فى الحديث: أنّ النبى صلّى الله عليه وسلم قال «ولدت فى زمن الملك العادل كسرى» فنظر إلى الشيخ عبد الله: وتبسم، ومدّ يده فأكل. وقام أبو عمر فنزل. فقال الشيخ عبد الله: ماذا إلا رجل صالح.

قال أبو المظفر: وقلت له يوما: أول ما قدمت الشام ما كان يرد أحدا فى شفاعته إلى من كان، وقد كتب ورقة إلى الملك المعظم عيسى بن العادل. وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>