وأرسل الشيخ الفخر مرة يسأل الشيخ الموفق عما ذكره فى كتبه من مسألة حصر جهات ذوى الأرحام، وما يلزم قول أبى الخطاب من الفساد.
ووقع بين الشيخين أيضا تنازع فى مسألة تخليد أهل البدع المحكوم بكفرهم فى النار. وكان الشيخ الموفق لا يطلق عليهم الخلود. فأنكر ذلك عليه الشيخ الفخر. وقال: إن كلام الأصحاب مخالف لذلك. وأرسل يقول للشيخ موفق الدين:
انظر كيف تستدرك هذه الهفوة؟ فأرسل إليه الشيخ موفق الدين كتابا، أوله:
أخوه فى الله عبد الله بن أحمد يسلم على أخيه الإمام الكبير فخر الدين جمال الإسلام، ناصر السنة، أكرمه الله بما أكرم به أولياءه. وأجزل من كل خير عطاءه، وبلغه أمله ورجاءه، وأطال فى طاعة الله بقاءه - إلى أن قال: إننى لم أنه عن القول بالتخليد نافيا له، ولا عبت القول به منتصرا لضده. وإنما نهيت عن الكلام فيها من الجانبين إثباتا أو نفيا، كفّا للفتنة بالخصام فيها، واتباعا للسنة فى السكوت عنها، إذ كانت هذه المسألة من جملة المحدثات، وأشرت علىّ من قبل نصيحتى بالسكوت عما سكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصحابته، والأئمة المقتدى بهم من بعده - إلى أن قال - وأما قوله - وفقه الله - إنّي كنت مسألة إجماع، فصرت مسألة خلاف. فإنني إذا كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى حزبه، متبعا لسنته، ما أبالى من خالفنى، ولا من خالف فىّ، ولا أستوحش لفراق من فارقنى. وإنّي لمعتقد أن الخلق كلهم لو خالفوا السنة وتركوها، وعادونى من أجلها، لما ازددت لها إلا لزوما، ولا بها إلا اغتباطا، إن وفقنى الله لذلك. فإن الأمور كلها بيديه، وقلوب العباد بين إصبعيه. وأما قوله: إن هذه المسألة مما لا تخفى: فقد صدق وبرّ، ما هى بحمد الله عندى خفية، بل هى منجلية مضية. ولكن إن ظهر عنده بسعادته تصويب الكلام فيها، تقليدا للشيخ أبى الفرج وابن الزاغونى، فقد تيقنت تصويب السكوت عن الكلام فيها، اتباعا لسيد المرسلين، ومن هو حجة على الخلق أجمعين، ثم لخلفائه الراشدين،