للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا تقعر، ولا تعظم فى مشيته ولا تبختر، ولا شطط فى ملبسه ولا تكثر، ومع هذا فكانت له صدور المجالس والمحافل، وإلى قوله المنتهى فى الفصل بين العشائر والقبائل، مع ما أمده الله عليه من سعة العلم، وفطره عليه من الرأفة والحلم. وكان لا يوفر جانبه عمن قصده، قريبا كان أو أجنبيا. ولا يدخر شفاعته عمن اعتمده، مسلما كان أو ذميا. ينتاب بابه الأمراء والملوك. فيساوى فى إقباله عليهم بين المالك والملوك.

ولى الشيخ قضاء القضاة فى جمادى الأولى سنة أربع وستين على كره منه.

وكان الشيخ رحمه الله رحمة على المسلمين، ولولاه لراحت أملاك الناس لما تعرض إليها السلطان. فقام فيها قيام المؤمنين وأثبتها لهم. وعاداه جماعة الحكام، وعملوا فى حقه المجهود. وتحدثوا فيه بما لا يليق. ونصره الله عليهم بحسن نيته. ويكفيه هذا عند الله.

وقال البرزالى فى تاريخه: كان الشيخ شيخ الوقت، وبركة العصر. ولى الحكم والخطابة، والمشيخة والتدريس مدة طويلة، ومراده خطابة الجبل ومشيخة دار الحديث الأشرفية به.

وقال اليونينى فى تاريخه: شيخ الإسلام، علما وزهدا وورعا، وديانة وأمانة، كبير القدر، جم الفضائل. انتهت إليه الرياسة فى الفقه على مذهب الإمام أحمد، وشرح كتاب «المقنع» لعمه الشيخ موفق الدين، وإن كان معظم الشرح مأخوذ من كلام عمه. وكانت له اليد الطولى فى معرفة الحديث، والأصول والنحو وغير ذلك من العلوم الشرعية، مع العبادة الكثيرة، والتواضع واللطف بكرم الأخلاق، ولين الجانب، والإحسان إلى القريب والبعيد، والاحتمال. وولى قضاء القضاة مكرها. وباشر ذلك مدة. ثم عزل نفسه، وامتنع من الحكم، وبقى متوفرا على العبادة والتدريس، وإشغال الطلبة والتصنيف. وكان أوحد زمانه فى تعدد الفضائل، والتفرد بالمحامد، ولم يكن له نظير فى خلقه ورياضته وما هو عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>