للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والدعاء له، وكبت أعداءه، وهدى به رجالا من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب لملوك والأمراء على الانقياد له غالبا، وعلى طاعته، وأحيا به الشام، بل والإسلام، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولى الأمر لما أقبل حزب التتر والبغى فى خيلائهم، فظنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشرأبّ النفاق وأبدى صفحته. ومحاسنه كثيرة، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلى، فلو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت: أنى ما رأيت بعينى مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه.

وقد قرأت بخط الشيخ العلامة شيخنا كمال الدين بن الزملكانى، ما كتبه سنة بضع وتسعين تحت اسم «ابن تيمية» كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائى والسامع: أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله.

وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا منه فى مذهبهم أشياء، ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع منه، ولا تكلم فى علم من العلوم - سواء كان من علوم الشرع أو غيرها - إلا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها.

وقال الذهبى فى معجمه المختصر: كان إماما متبحرا فى علوم الديانة، صحيح الذهن، سريع الإدراك، سيال الفهم، كثير المحاسن، موصوفا بفرط الشجاعة والكرم، فارغا عن شهوات المأكل والملبس والجماع، لا لذة له فى غير نشر العلم وتدوينه. والعمل بمقتضاه.

قلت: وقد عرض عليه قضاء القضاة قبل التسعين، ومشيخة الشيوخ، فلم يقبل شيئا من ذلك. قرأت ذلك بخطه.

قال الذهبى: ذكره أبو الفتح اليعمرى الحافظ - يعنى ابن سيد الناس - فى جواب سؤالات أبى العباس بن الدمياطى الحافظ، فقال: ألفيته ممن أدرك من العلوم حظا. وكاد يستوعب السنن والآثار حفظا، إن تكلم فى التفسير فهو حامل رايته، وإن أفتى فى الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه،

<<  <  ج: ص:  >  >>