في هذين الحديثين: أن الرأي قد يصاب به حقيقة الصواب، وقد يقصر به عنه، وان ما اطلق لنا الحكم بالاجتهاد: في الحوادث التي لا نص فيها، وقد تكون فيه اصابة الحق، وقد يكون فيه التقصير عنه، وان كنا محمودين في اجتهادنا، اذ لا نستطيع غير ما فعلناه فيه بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، واذا حكم فاخطأ فله أجر " اذ كانوا قد اجتهدوا بالآلات التي يجتهد بمثلها، أصابوا الواجب او قصروا عنه، وهذا قول اهل السلامة ممن ينتحل الفقه، فأما من سواهم ممن قد دخل في الغلو في ذلك، حتى قال: انه إذا حكم بالاجتهاد، ومعه الآلة، التي لأهلها الاجتهاد، انه قد حكم بالحق، الذي لو نزل القرآن ما نزل الا به، ونعوذ بالله من هذا القول ومن أهله، وان كان بحمد الله، قولا منكرا، وأهله محجوجون بما لا يستطيعون دفعه، ولا الخروج منه.
فمن كان على ذلك ابراهيم بن اسماعيل بن علية، فحدثني أبو جعفر بن العباس، قال: لما بلغني هذا القول عنه، أعظمته، فأتيته من يومي الذي بلغني ذلك القول عنه، فذكرت ذلك لأحق عليه، أنه قد قاله، فقال لي: قد قلته، قال: فقلت له: أهل استعملت في مسألة من الفقه رأيك، واجتهدت فيها، حتى بلغت عند نفسك غاية الاجتهاد، الذي عليك فيها، ثم تبين لك، بعد ذلك أن الصواب في غير ما قلت مما كان اذ ذاك اليه اجتهادك فيها؟ فقال: نعم يجري هذا أكثر